الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكر لك تواصلك معنا، وننصحك بأن تصرف همتك إلى السؤال عن أصول الإيمان وأعمال القلوب، والعبادات ونحوها من العلوم التي يحتاجها كل مسلم في أمر دينه، وأما الغرائب التي ليس لها ثمرة عملية كبيرة، فلا يحسن التشاغل بالسؤال عنها، لا سيما من قبل المبتدئين في طلب العلم، وراجع في هذا الفتوى: 286822.
وعلى كل حال: فإن ما ذكرته جائز عقلا -فيمكن للعقل تصوره-، وإن كان ممتنعا في العادة.
قال ابن حزم في الفصل: إن المحال ينقسم أربعة أقسام لا خامس لها: أحدها: محال بالإضافة، والثاني: محال في الوجود، والثالث: محال فيما بيننا في بنية العقل عندنا، والرابع: محال مطلق.
فالمحال بالإضافة: مثل نبات اللحية لابن ثلاث سنين، وإحباله امرأة، وكلام الأبله الغبي في دقائق المنطق، وصوغه الشعر العجيب وما أشبه هذا، فهذه المعاني موجودة في العالم ممن هي ممكنة منه ممتنعة من غيرهم.
وأما المحال في الوجود: فكانقلاب الجماد حيوانا، والحيوان جمادا، أو حيوانا آخر، وكنطق الحجر، واختراع الأجسام وما أشبه هذا، فإن هذا كله ليس ممكنا عندنا البتة ولا موجودا، ولكنه متوهم في العقل، متشكل في النفس كيف كان يكون لو كان، وبهذين القسمين تأتي الأنبياء عليهم السلام في معجزاتهم الدالة على صدقهم في النبوة.
وأما المحال فيما بيننا في بنية العقل: فكون المرء قائما قاعدا معا في حين واحد وسائر ما لا يتشكل في العقل.
وأما المحال المطلق فهو كل سؤال أوجب على ذات الباري تغييرا، فهذا هو المحال لعينه الذي ينقض بعضه بعضا، ويفسد آخره أوله، وهذا النوع لم يزل محالا في علم الله تعالى، ولا هو ممكن فهمه لأحد .اهـ.
وجاء في نفائس الأصول للقرافي: ما لا يقدر المكلف عليه قد يكون معجوزًا عنه متعذرا عادةً لا عقلًا، كالطيران في الهواء؛ فإنه متعذر عادة ممكن عقلًا، وقد يكون متعذرًا عقلًا، ممكنًا عادة، كمن علم الله تعالى عدم إيمانه؛ فإنه يستحيل وقوع الإيمان منه عقلًا لاستحالة خلاف المعلوم، وإذا سئل أهل العادة عنه قالوا: يمكنه الإيمان، وكذلك جميع الطاعات المقدر عدمها، وقد يكون متعذرًا عقلًا وعادةً، كالجمع بين السواد والبياض .اهـ.
وفي الوجيز في أصول الفقه للزحيلي: والمستحيل لذاته هو ما لا يتصور العقل وجوده، كالجمع بين الضدين .. المستحيل لغيره، وهو ما يتصور العقل وجوده، ولكن لم تجر العادة بوقوعه، كالطيران من الإنسان بدون أداة، والمشي على الماء، وهكذا .اهـ. وراجع الفتوى: 158645.
والله أعلم.