الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فقد سبق أن ذكرنا تفسير هذه الآية الكريمة في عدة فتاوى، كالفتوى رقم: 58353، والفتوى رقم: 20803. ونضيف هنا تفسيرًا مختصرًا لهذه الآية مما ورد في كلام أهل العلم، قال الشيخ أبو بكر الجزائري في أيسر التفاسير عن هذه الآية الكريمة: تضمنت الإخبار بأن الله تعالى يريد بما بينه من الحلال والحرام في المناكح، وغيرها، أن يرجع بالمؤمنين من حياة الخبث والفساد التي كانوا يعيشونها قبل الإسلام إلى حياة الطهر والصلاح، في ظل تشريع عادل رحيم، وأن الذين يتبعون الشهوات من الزناة، والنصارى، وسائر المنحرفين عن سنن الهدى، فإنهم يريدون من المؤمنين أن ينحرفوا مثلهم، فينغمسوا في الملاذ، والشهوات البهيمية؛ حتى يصبحوا مثلهم، لا فضل لهم عليهم؛ وحينئذ لا حق لهم في قيادتهم، أو هدايتهم... اهـ.
وقوله: يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ قال ابن كثير: أي: في شرائعه، وأوامره، ونواهيه، وما يقدره لكم؛ ولهذا أباح الإماء بشروط، كما قال مجاهد، وغيره، {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً}، فَنَاسَبَهُ التَّخْفِيفُ؛ لِضِعْفِهِ فِي نَفْسِهِ، وضعف عزمه وهمته. وقال: طاووس: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً}، أَيْ: فِي أَمْرِ النِّسَاءِ، وَقَالَ وكيع: يذهب عقله عندهن. اهـ.
وأما هل يدخل عصاة المسلمين في (الذين يتبعون الشهوات) فقد قيل في المراد بهؤلاء أربعة أقوال، ذكرها ابن الجوزي في زاد المسير، فقال:
وفي الذين اتبعوا الشهوات أربعة أقوال: أحدها: أنهم الزناة، قاله مجاهد، ومقاتل. والثاني: اليهود والنصارى، قاله السدي. والثالث: أنهم اليهود خاصّة، ذكره ابن جرير. والرابع: أهل الباطل، قاله ابن زيد. اهـ. وقال القرطبي: وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ذَلِكَ عَلَى الْعُمُومِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ . اهـ.
ولا شك أن الواقع يشهد بأنها على العموم، فكثير من الفجرة والفسقة من هذه الأمة يصدق فيهم أنهم متبعون للشهوات في أنفسهم، وأنهم يريدون أن تميل الأمة للشهوات ميلًا عظيمًا، حيث نراهم يسعون جاهدين لاستمالة مجتمعات المسلمين إلى الشهوات المحرمة، والميل بهم عن الطهر والعفاف إلى الانحلال والمجون، وصاروا وكلاء لأعداء الأمة في السعي الحثيث لإفساد المسلمين -رد اللهُ كيدهم، وأبطل مكرهم-.
والله تعالى أعلم.