الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد حذرناك مرارًا من تتبع أمثال هذه الجهالات، وقائل هذا يريد الطعن في كتاب الله تعالى، والتشكيك في ثبوته، وأنى له ذلك!، وقد قال الله جل اسمه: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {الحجر:9}، وقد كان يمكن مناقشة ما ذكره لو أن القرآن لم يثبت إلا بالكتابة فحسب، ولكن القرآن العزيز تلقاه المسلمون من فم النبي صلى الله عليه وسلم، فحفظوه، ووعوه في صدورهم، ونقلوه إلى من بعدهم كما سمعوه، فهو منقول بنقل الكافّة عن الكافّة، متواتر النسبة إلى من جاء به صلى الله عليه وسلم، وجاءت كتابته خوف ضياعه؛ لمزيد توثيقه، وصيانته عن التحريف، فليمت قائل هذا الهذيان بغيظه، فلا سبيل له ولا لغيره بوجه إلى الطعن في كتاب الله تعالى المحفوظ، ولله الحمد.
وأما ما ذكرته فمن الباطل البين، فإن كتب اللغة تذكر أن من معاني الطمث: الافتضاض، والمس كذلك، ويأتون على ذلك بشواهد من كلام العرب، ومن ذلك قول الفرزدق:
وَقَعْنَ إِليَّ لَمْ يُطْمَثْنَ قَبْلِي * فهنَّ أَصَحُّ مِنْ بَيْضِ النَّعامِ.
قال في اللسان: أي: هن عذارى غير مفترعات. قال في القاموس في بيان مادة طمث ما عبارته: طَمَثَها يَطْمِثُها ويَطْمُثُها: افْتَضَّها. وطَمَثَتْ، كنَصَرَ وسَمِعَ: حاضَتْ، فهي طامِثٌ. والطَّمْثُ: المَسُّ، والدَّنَسُ، والفَسادُ. وواثِلة بنُ الطَّمَثانِ، محرَّكةً: في إيادٍ. انتهى.
فبان لك بما لا يدع مجالًا للشك استعمال العرب هذه الكلمة بهذا المعنى الوارد في القرآن، وأنها لم تحرف عن وجهها، وحاشا أن يكون ذلك، ونعود فنحذرك من تتبع شبهات المبطلين، وإلقاء السمع إلى هذيانهم وافترائهم، فإن لذلك تأثيرًا على سلامة القلب.
والله أعلم.