الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس ما ذكرته من كون عامة المسلمين يسبون الدين، أو كونهم كفارا، صحيحا بحال، فأكثر المسلمين والحمد لله، معظمون للدين، لا يستهزئون به، ولا يسبونه.
وهذا هو الأصل الذي يجب عليك استصحابه في كل من نطق بالشهادتين، ولا يحكم بكفر شخص معين، إلا إذا حصل يقين جازم بارتكابه ما يوجب الكفر، وقامت عليه الحجة.
فإياك والحكم على المجتمعات بالكفر؛ لاحتمال أن بعض الأفراد يسبون الدين مثلا، فهذا غلو شنيع، وتنطع مهلك عياذا بالله. وكل ما ذكرته سوى ما يتعلق بسب الدين، أو سب الله تعالى صريحا، لا يعد كفرا، ولا استهزاء مخرجا عن الملة، وإنما هذا محض وسواس تسلط عليك، فعليك أن تدافعه وتعرض عنه، ولا تسترسل معه؛ فإن استرسالك مع هذه الوساوس يفضي إلى شر عظيم، وماهية الاستهزاء المخرج من الملة، قد بيناها في الفتوى رقم: 136818.
ولا حرج عليك أن تسأل فيما أشكل عليك، إلا إن خشيت أن يتمادى بك الوسواس، فدع الوساوس ولا تعرها اهتماما، وتعامل مع الناس جميعا على أنهم مسلمون، وإياك والحكم بخلاف ذلك على أحد دون يقين جازم.
وأما قاعدة: من لم يكفر الكافر. فالمراد بها الكافر المقطوع بكفره، والذي نص الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم على كفره؛ كفرعون وأبي لهب، فهذا الصنف من لم يكفره فهو كافر قطعا؛ لتكذيبه الله ورسوله.
وأما من لم يتحقق وجود الكفر منه، فتكفيره مخاطرة عظيمة، إياك وتقحمها؛ فإنه باب هلكة.
وتجنب المزاح فيما يتعلق بنصوص الشرع، حسن جميل، لكن لا يفضين ذلك بك إلى التنطع، فتجعل ما ليس كذلك، من هذا الباب.
والحاصل أن عليك تجنب الوساوس والغلو، ومجاهدة ذلك، والسعي في التخلص منه، وأن تنضبط في هذا الباب بما يقرره أهل العلم بلا غلو ولا جفاء، ولا إفراط ولا تفريط.
والله أعلم.