الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالمسألة التي ذكرتها -وهي إطلاق اللحية- شأنها شأن ما اختلف فيه من المسائل، ونحن نرجح وجوب إطلاقها، ومن ثم؛ نرجح أن المصر على حلقها مع اعتقاده حرمة ذلك فاسق، لكن من كان يحلق لحيته متأولًا أو مقلدًا من لا يرى تحريم حلقها، فإنه لا يفسق بذلك، قال القرافي: وأما اختلاف المذاهب : فالعالم المُتْقِن لا يجرح بأمرٍ مُخْتَلف فيه، يمكن أن يصح التقليد فيه، ولا يُفسِّق بذلك إلا جاهل، فما من مذهب إلا وفيه أمور ينكرها أهل المذهب الآخر، ولا سبيل إلى التفسيق بذلك، وإلا لفسَّقتْ كلُّ طائفةٍ الطائفةَ الأخرى، فتفْسُق جميع الأمة، وهو خلاف الاجماع، بل كل من قلَّد تقليدًا صحيحًا، فهو مطيع لله تعالى، وإن كان غيره من المذاهب يخالفه في ذلك. انتهى.
وعلى هذا نص فقهاء الحنابلة، فذكروا أن من يشرب النبيذ المختلف فيه، لا يفسق إن اعتقد حله، ومن ثم؛ فتصح الصلاة خلفه، قال ابن قدامة في المغني: فَأَمَّا مَنْ يَشْرَبُ مِنْ النَّبِيذِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ مَا لَا يُسْكِرُهُ، مُعْتَقِدًا حِلَّهُ، فَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ خَلْفَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. فَقَالَ: يُصَلَّى خَلْفَ مَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ عَلَى التَّأْوِيلِ، نَحْنُ نَرْوِي عَنْهُمْ الْحَدِيثَ، وَلَا نُصَلِّي خَلْفَ مَنْ يَسْكَرُ. وَكَلَامُ الْخِرَقِيِّ بِمَفْهُومِهِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؛ لِتَخْصِيصِهِ مَنْ سَكِرَ بِالْإِعَادَةِ خَلْفَهُ. انتهى.
فإذا تقرر لك هذا؛ فإن كان حالق اللحية جاهلًا بوجوبها، أو معتقدًا حل حلقها مقلًدا من يرى الكراهة فقط من الفقهاء، كما ينص عليه فقهاء الشافعية، فإنه لا يفسق بذلك، وأما من اعتقد تحريم حلقها، فأصر عليه، فإنه يفسق بذلك.
ثم الصلاة خلف الفاسق محل خلاف مشهور، والراجح صحتها، وهو قول الجمهور، وانظر الفتوى رقم: 115770، وإن كنت تعمل بالقول القاضي بالمنع، فلا حرج عليك، لكن لا تحكم بفسق الإمام إلا بعد التحقق من ذلك، وحد الفاسق مبين في الفتوى رقم: 369184.
والله أعلم.