الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمن الواضح أن قضية القدر غير واضحة لديك كل الوضوح، ولكي نسهل عليك الأمر ونوضحه، نقول: إن كل شيء في الكون، فإنما هو بقدر الله تعالى، ولا يكون في العالم إلا ما أراده سبحانه، وقضاه، وقدره، ولا ينفي هذا أن يكون الأشخاص مسؤولين عن أعمالهم التي اكتسبوها بإرادتهم ومشيئتهم، ومن ثم يلحقهم الثواب والعقاب على تلك الأفعال، فإن الله خلق للعبد مشيئة وقدرة بها تقع أفعاله، والعبد فاعل حقيقة، والله هو خالقه، وخالق فعله، والعبد مؤاخذ ملوم على ما فعله من الشر، مستحق للعقوبة الدنيوية والأخروية عليه، كما أنه مثاب على ما فعله باختياره من الخير، فلا يسوغ لأحد أن يخطئ ثم يحتج على خطئه هذا بأن ما فعله قدر الله، وإلا فإن أحدًا لا يقبل هذه الحجة إذا كان التقصير في حقه هو، فلو ضربه أحد، أو آذاه لقرر الانتقام لنفسه، ولم يقبل من الضارب المؤذي الاحتجاج بأن هذا قدر الله، فلا بد لتفهمي مسألة القدر على وجهها أن يحدث الفرق في فهمك بين فعل العبد وكونه مؤاخذًا عليه، وبين كون هذا الفعل مخلوقًا لله تبارك وتعالى، وقد أوضحنا هذا المعنى في فتاوى كثيرة جدًّا، وتنظر الفتوى رقم: 153849.
وننصحك بقراءة كتاب القضاء والقدر ضمن سلسلة العقيدة للدكتور عمر الأشقر -رحمه الله-.
وإذا علمت هذا؛ فإذا كان أخوك قد جنى عليك، وظلمك بما فعله، فإنه مستحق للردع والعقوبة، ولا ينافي هذا كون ما فعله مقدرًا مقضيًّا، فعليك أن ترفعي أمره إلى أبيك؛ لأن له حق تأديبه، ولو أمكن أن يقوم بإصلاح خطئه بالكلام مع ذلك الخاطب، وبيان حقيقة الحال، فليفعل. ولا يجوز له شرعًا أن يلحق بك ضررًا، أو يمنع كفؤًا تقدم للزواج بك.
وأما إن كان الأمر فيه سوء فهم من جهتك، فتكلمي مع أخيك لتستبيني الأمر على وجهه، فلعلك أنت المخطئة لا هو، ولو فرضنا كونه مخطئًا، فإن عفوك عنه خير لك، مع إلزامه بألا يكرر هذا الفعل مرة أخرى، واجتهدي في الدعاء بأن ييسر الله لك الخير حيث كان، وارضي بما يقدره الله ويقضيه؛ عالمة أن اختياره لك خير من اختيارك لنفسك.
والله أعلم.