الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن تزوج مأمور بالوليمة بقدر استطاعته دون تكلف؛ امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف: أولم ولو بشاة. واتباعاً لسنته في الوليمة، فقد كان يولم بما تيسر، فقد أولم بحيس في زواجه بصفية، كما في رواية البخاري عن أنس، ووليمة العرس سنة عند الجمهور، وأوجبها داود الظاهري -رحمه الله تعالى-.
وأما الإسراف في الولائم فغير مشروع؛ لأن الله نهى عن الإسراف، فقال تعالى: وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ {الأنعام:141}، ولأن البركة في النكاح من وسائلها تخفيف المؤونة والتكاليف، ففي الحديث: أن أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة. رواه أحمد. لكن من يسر الله له، ووسع له، وأراد أن يوسع في الوليمة، ولو بتكرارها أياما، فلا حرج. قال القاضي عياض رحمه الله: واستحب أصحابنا لأهل السعة كونها أسبوعا. وانظر الفتوى رقم: 75014.
وبناء عليه؛ فنصيحتنا لك أن تولم وليمة ترضي أباك دون حد الإسراف المذموم والتبذير المحرم، قال ابن تيمية –رحمه الله- : وَيَلْزَمُ الْإِنْسَانَ طَاعَةُ وَالِدِيهِ فِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ وَإِنْ كَانَا فَاسِقَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ أَحْمَدَ، وَهَذَا فِيمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَهُمَا وَلَا ضَرَرَ، فَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَضُرَّهُ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا. اهـ الفتاوى الكبرى - (5 / 381) وراجع حدود طاعة الوالدين في الفتوى رقم: 76303.
فأنفق على الوليمة دون إسراف أو تقتير، واحتسب الأجر عند الله تعالى، وسوف يخلف الله عليك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- : ما من يوم يصبح فيه العباد إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفاً. متفق عليه. وعنه أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: قال الله تعالى: أنفق يا ابن آدم أنفق عليك. متفق عليه.
وأبشر خيراً ببركة طاعتك لوالد، وحرصك على البر به، فإنه من أعظم أسباب الفلاح في الدنيا والآخرة، فعن أبي الدرداء –رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع هذا الباب أو احفظه. رواه ابن ماجه والترمذي.
قال المباركفوري –رحمه الله-: قَالَ الْقَاضِي: أَيْ خَيْرُ الْأَبْوَابِ وَأَعْلَاهَا، وَالْمَعْنَى أَنَّ أَحْسَنَ مَا يُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى دُخُولِ الْجَنَّةِ، وَيُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى وُصُولِ دَرَجَتِهَا الْعَالِيَةِ مُطَاوَعَةُ الْوَالِدِ وَمُرَاعَاةُ جَانِبِهِ. اهـ تحفة الأحوذي (6/ 21)
ويمكنك مناقشة الأمر معه بحكمة ولطف ولين؛ لتبين له أنك تسعى في مرضاته، وتريد طاعته، مع عدم الوقوع في المحذور الشرعي.
والله أعلم.