الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعقل نور شرف الله تعالى به الإنسان، وميزه به عن غيره من الجماد والحيوان، وجعله مناط التكليف بشرائع الإسلام. فبالعقل يميز الإنسان بين الخير والشر والهدى والضلالة، والصحيح والفاسد. وبه يهتدي إلى طريق الخير والإيمان، ومع ذلك، فلا يمكن للإنسان أن يستغني بعقله مهما بلغ من الذكاء عن وحي السماء وهدي الأنبياء، ليسترشد به إلى الطريق القويم ويهتدي بنوره في مجاهيل التفكير وظلمات الجهل. وفي ذلك يقول الله تعالى: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا [الأنعام: 122].
وقد تواترت الآيات القرآنية في الحث على التفكير واستعمال العقل، ليصل الإنسان من خلال ذلك عن طريق العقل واستعمال التفكير إلى الإيمان الجازم واليقين القاطع بأن الله تعالى واحد لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وصفاته وأسمائه، وأن ما جاء به أنبياء الله تعالى عدل حق، وما أخبروا به صدق.
فإذا تأمل الإنسان العاقل في السياق القرآني التالي، فلا بد أن يتأمل ويستعمل فكره في نفسه وفيما حوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ*الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاء [البقرة: 21- 22]، وفي قوله تعالى: فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ*خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ*يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ*إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ [الطارق:5- 8]، فلا تكاد تفتح صفحة من المصحف الكريم إلا ووجدت الدعوة صريحة إلى استعمال العقل، والدعوة إلى التفكير في النفس والآفاق للوصول إلى الحقيقة الكبرى وترسيخها في العقول، والدعوة إليها، وهي الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر.
وعليه، فدور العقل في ترسيخ الإيمان بالله تعالى دور أساسي لا غنى عنه.
والله أعلم.