الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فها هنا أمر لا بد من بيانه وهو أن مسألة الوقف والابتداء، وكلام أهل العلم في المنع من الوقف على كذا، أو الابتداء بكذا، مرادهم به المنع الصناعي، لا أنه يحرم أو يكره الوقف على هذا الموضع، قال الشيخ المرصفي -رحمه الله-: ما قاله أئمتنا من أنه لا يجوز الوقف على كلمة كذا وكذا، إنما يريدون بذلك الوقف الاختياري، "بالياء المثناة تحت"، الذي يحسن في القراءة، ويروق في التلاوة، ولا يريدون به أنه حرام، أو مكروه؛ إذ ليس في القرآن الكريم وقف واجب، يأثم القارئ بتركه، أو حرام، يأثم القارئ بفعله؛ لأن الوصل والوقف لا يدلان على معنى حتى يختل بذهابهما، وإنما يتصف الوقف بالحرمة، إذا كان هناك سبب يؤدي إليها؛ فيحرم حينئذ، كأن قصد القارئ الوقف من غير ضرورة على لفظ: "إله"، أو على لفظ: "لا يستحي"، أو على لفظ: "لا يهدي" في قوله تعالى: {وَمَا مِنْ إله إِلاَّ إله وَاحِدٌ} [المائدة:73]، {والله لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الحق} [الأحزاب:53]، {والله لاَ يَهْدِي القوم الفاسقين} [الصف:5]، وما شابه ذلك مما تقدم ذكره في الوقف القبيح؛ إذ لا يفعل ذلك مسلم قلبه مطمئن بالإيمان. وفي هذا المقام يقول الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية:
وليسَ في القرآن مِنْ وقْفٍ وجَب ... ولا حرام غير ما له سَبَبْ. انتهى.
وإذا تقرر هذا؛ فمن كمال الأدب في التلاوة ألا يقف القارئ إلا عند معنى حسن، وإن كان لا يأثم إن وقف على موضع مما يعده علماء الأداء قبيحًا، ما لم يقصد ذلك، كما مر بك في كلام الشيخ، وإذا كان هذا في خصوص التلاوة، فأمر الاستماع أسهل، فإذا لم يقصد المستمع المعنى المحظور، فلا حرج عليه في إيقاف قراءة القارئ حيث شاء، في أول الآية، أو وسطها، وعلى آية لها تعلق بما بعدها، أو لا، كل هذا جائز، لا حرج فيه، لكن كمال الأدب مع كتاب الله تعالى، وتمام تعظيمه أن يوقف المستمع الاستماع عند معنى حسن، يحسن الوقوف عليه، وتنظر الفتوى رقم: 206461.
والله أعلم.