الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الجهل ببعض أسماء الله وصفاته مما يعذر به العبد، فلا يحكم عليه بالكفر، حتى تقام عليه الحجة، قال الإمام الشافعي -رحمه الله- كما نقل عنه الحافظ ابن حجر في الفتح: لله أسماء وصفات، لا يسع أحدًا ردها، ومن خالف بعد ثبوت الحجة عليه، فقد كفر. وأما قبل قيام الحجة، فإنه يعذر بالجهل؛ لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل، ولا الرؤية، ولا الفكر، فنثبت هذه الصفات، وننفي عنه التشبيه، كما نفى عن نفسه، فقال: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]. اهـ.
ومما يستدل به على أن المرء يعذر بجهله ببعض أسماء الله وصفاته حتى يُعَلَّمَها، وتقام عليه الحجة فيها: ما رواه البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان رجل يُسرف على نفسه، فلما حضره الموت، قال لبنيه: إذا أنا مت، فأحرقوني، ثم اطحنوني، ثم ذروني في الريح، فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابًا ما عذبه أحدًا، فلما مات، فعل به ذلك، فأمر الله الأرض، فقال: اجمعي ما فيك منه، ففعلت، فإذا هو قائم، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رب، خشيتك، فغفر له.
قال الحافظ ابن عبد البر -رحمه الله- في التمهيد: اختلف العلماء في معناه، فقال منهم قائلون: هذا رجل جهل بعض صفات الله عز وجل، وهي القدرة، فلم يعلم أن الله على ما يشاء قدير. قالوا: ومن جهل صفة من صفات الله عز وجل، وآمن بسائر صفاته، وعرفها، لم يكن بجهل بعض صفات الله كافرًا، قالوا: وإنما الكافر من عاند الحق، لا من جهله. وهذا قول المتقدمين من العلماء، ومن سلك سبيلهم من المتأخرين. اهـ.
والله أعلم.