الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان أبوك قد ظلم أمك كثيرا، وله علاقات آثمة مع بعض النساء، فقد أساء بذلك إساءة عظيمة، ولكن هذا لا يسوغ لأمكم تحريضك وأخيك ضده، وزرع العداوة في قلبيكما تجاهه، فهو على كل تقدير أب لكما، ومن حقه عليكما البر والإحسان مهما أساء، قال الله سبحانه: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان:14-15}.
فقد أمر بحسن صحبتهما، وإن كانا على الكفر، وعقد البخاري في كتابه الأدب المفرد بابًا أسماه: باب بر والديه وإن ظلما ـ وأورد تحته أثرًا عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: ما من مسلم له والدان مسلمان، يُصبح إليهما محتسبًا، إلا فتح له الله بابين ـ يعني: من الجنة ـ وإن كان واحدًا، فواحد، وإن أغضب أحدهما، لم يرضَ الله عنه حتى يرضى عنه, قيل: وإن ظلماه؟ قال: وإن ظلماه.
وهذا يدل على عظيم فضل بر الوالدين، وأنه قربة من أجل القربات، وأن إساءتهما لا تسقط عن الأولاد وجوب البر.
ونوصي بالصبر عليهما، والدعاء لهما بالخير، والصلاح، وبذل النصيحة لكل منهما فيما يأتي به من مخالفات شرعية، ولتكن النصيحة برفق ولين منكما مباشرة، أو ممن يرجى أن يكون لقوله تأثير عليهما.
والمشاعر القلبية تجاه التصرفات السيئة للوالدين من السآمة، أو الكره والسخط، لا مؤاخذة على صاحبه فيه، ما لم يترتب عليه ما يقتضي العقوق من إيذاء بالقول، أو الفعل، ويمكن مراجعة الفتوى رقم: 387490، ورقم: 299953، ورقم: 134356.
وفي الجملة: فإن الاستماع للأم نوع من البر بها، والإعراض عن الاستماع لها يؤذيها في الغالب، فلا يجوز فعله، إلا إذا كان كلامها فيما يسخط الله من نحو محاولتها إيغار الصدور على الأب، فلا يجوز الاستماع إليها فيه، ولكن ينبغي مداراتها، والتلطف بها، والاعتذار لها بأدب.
واتهامها لكما بإهمالها، والتقصير في حقها، قد يكون لها عذر فيه، فهي أمكما، فمهما بذلتما لها فالتقصير حاصل في حقها، وقد ترى هي كذلك، فاستمعا لها بأدب، وبينا لها أنكما ستفعلان لها كل ما يمكنكما فعله لها؛ تطييبًا لخاطرها، واتقاء لسخطها.
ولا يلزم أن يجازى المرء من أولاده بالمثل إن قصّر في حق والديه، أو أحدهما، ولكن يمكن أن يجازى بالمثل؛ ولذلك فالخوف في مثل هذا المقام مطلوب، وليكن خوفًا يدفع إلى البر، والحذر من العقوق.
والله أعلم.