الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالظاهر أن غضب أبيك عليك، وبراءته منك، ونفيه كونك ولده، قد دعاه له، كونك قد سافرت.
فإن كان الأمر كذلك، فليس من حق الوالد -أبًا كان أم أمًّا- أن يمنع ولده من السفر في مصالحه؛ لغير مسوغ شرعي؛ فقد قرر الفقهاء أن السفر المأمون للتجارة، ونحوها، لا يشترط فيه رضى الوالدين، أو إذنهما، وسبق لنا بيان ذلك في الفتوى رقم: 60672.
فلست عاقًّا له بمجرد هذا السفر، فاعمل على مداراته لكسب رضاه، بالتواصل معه، وتفقد حاله، والإحسان إليه، هذا مع دعاء الله عز وجل أن يرضيه عنك.
ولا شك في أنه من أصعب الأمور اختلاف الوالدين، وأن يتعارض عند الولد أمر إرضائهما، وينبغي في هذه الحالة تحري الحكمة، والاجتهاد في التوفيق بينهما، فقد نقل القرافي في كتابه الفروق: أن رجلًا قال للإمام مالك -رحمه الله تعالى-: إن والدي في بلد السودان، وقد كتب إليّ أن أقدم عليه، وأمي تمنعني من ذلك، فقال له الإمام مالك: أطع أباك، ولا تعص أمك. اهـ.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية، في تفسير هذه العبارة قولهم: يعني أنه يبالغ في رضى أمه بسفره لوالده، ولو بأخذها معه؛ ليتمكن من طاعة أبيه، وعدم عصيان أمه. اهـ. أي: التوفيق بينهما في ذلك، بحيث يرضيهما معًا، بالإحسان الذي سبقت الإشارة إليه، أو بالاستلطاف، والاستعطاف، والغالب في الوالدين الشفقة على الولد، فالمرجو أن يتحقق له ذلك -بإذن الله-.
وختم هذا الجواب التنبيه على أمرين:
الأمر الأول: أنه لا ينبغي أن يمتد الخلاف بين الأبوين في التأثير على الولد، والتضييق عليه، ثم إنه ينبغي السعي في الإصلاح بين الزوجين والمتخاصمين ما أمكن، فقد قال الله تعالى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ {النساء:128}.
الأمر الثاني: أن براءة الأب من ابنه إن كانت على معنى جحده، ونفي نسبه، منكر عظيم، وسبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 62765، مع شيء من التفصيل في المسألة.
والله أعلم.