الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالمحبة صفة من الصفات الاختيارية الثابتة لله تعالى في الكتاب، والسنة، وإجماع السلف، كسائر صفاته الاختيارية، كرضاه، وغضبه، وفرحته بتوبة عبده، ونزوله إلى السماء الدنيا في جوف الليل الآخر، وغير ذلك. وليس شيء من صفات الله تعالى يماثل شيئًا من صفات المخلوقين!
وليست محبة الله تعالى لعباده، كمحبة الأم لأبنائها، ولا غيرها من أنواع المحبة بين المخلوقين.
ومن أسماء الله تعالى: الودود، وهو الذي يحب عباده ويحبونه، وراجع في ذلك الفتوى ذات الرقم: 185683.
وأما ما يذكره المتأخرون من أهل العلم في بيان معنى محبة الله لعباده، من الرضى عنهم، وإكرامهم، وإثابتهم، والإنعام عليهم، والإحسان إليهم، وإرادة الخير لهم، ونحو ذلك، فإنما هو بيان للوازم المحبة، ولا يصح أن يكون تفسيرًا للمحبة، فهي صفة ثابتة على الحقيقة لله تعالى، لا نعرف كيفيتها وكنهها، ونفوض العلم بذلك إلى الله تعالى، مع القطع بأنها لا تشبه صفة المخلوقين.
وأما التكلف في بيان معناها مع وضوحه، ونفي المماثلة للمخلوقين، فلا يعدو أن يكون تعقيدًا وتشقيقًا للكلام، وهذا يجري عليه قول القائل: (توضيح الواضحات من المشكلات)؛ ولذلك قال ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية: وصف الله تعالى بالمحبة، والخلة، هو كما يليق بجلال الله تعالى، وعظمته، كسائر صفاته تعالى ... وقد اختلف في تحديد المحبة على أقوال نحو ثلاثين قولًا. ولا تحد المحبة بحد أوضح منها، فالحدود لا تزيدها إلا خفاء. وهذه الأشياء الواضحة لا تحتاج إلى تحديد، كالماء، والهواء، والتراب، والجوع، ونحو ذلك. اهـ.
وراجع للفائدة الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 139959، 190949، 371122.
ثم إن العاقل ينبغي أن يكون شغله الشاغل هو تحصيل الأسباب الموصلة لهذه المحبة، من التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض، والاتصاف بالصفات التي يحب أهلها، إلى غير ذلك من الأسباب التي سبقت الإشارة إليها في الفتوى ذات الرقم: 27513، وراجع كذلك للفائدة الفتوى ذات الرقم: 22830.
والله أعلم.