الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فدراستك الثانوية، وبعدها الجامعية، واعتناؤك بها، وحرصك على التفوق فيها، مطلوب، وفيه مصالح دينية، ودنيوية كثيرة، وأجور عظيمة، إذا صلحت النية، وحسن القصد. ويكفي أنّ فيه طاعة الوالدين في المعروف، وإدخال السرور عليهما، وليس في هذه الدراسة مضيعة للوقت، ولكنه انتفاع بالوقت في تعلم العلوم المباحة النافعة.
وكونك تقصد من وراء الدراسة كسب المال، وتحصيل مؤنة الزواج، ونحو ذلك من الأغراض الدنيوية، ليس ممنوعًا شرعًا، وراجع الفتوى ذات الرقم: 339457، والفتوى ذات الرقم: 342010.
وكون بعض المواد الدراسية لا تتعلق تعلقًا مباشرًا بالتخصص المطلوب، لا يعني عدم إفادتها، أو كون دراستها مضيعة للوقت؛ فبعض المواد الدراسية تكون مفيدة للتخصص من وجهة بعيدة، تخفى على الطالب في بداية أمره، وبعضها يكون له غرض آخر، كتوسيع المدارك، ورياضة الذهن؛ حتى يكمل فهمه للعلوم، ونحو ذلك من الأغراض الصحيحة التي قد تخفى على بعض الناس.
فاجتهد في دراستك، واصبر، وأحسن قصدك، واستعن بالله، ولا تعجز.
واعلم أنّ قولك عن أبيك: إنه مرتد، قول شنيع فيه مجازفة، فالحكم على المسلم بالردة، ليس بالأمر الهين، فكل من ثبت إسلامه بيقين، لا يزول عنه الإسلام إلا بيقين، ولا يحكم على معين بالكفر إلا بعد تحقق شروط، كالبلوغ، والعقل، وانتفاء موانع، كالإكراه، والجهل، والتأويل، وانظر الفتوى ذات الرقم: 721.
ونخشى أن يكون رميك أباك بالردة بدعوى أنّه يقع في الاستهزاء المكفّر، نخشى أن يكون ذلك ناشئًا عن وسوسة، وأوهام، فاحذر من الوسوسة؛ فإنّ عاقبتها وخيمة، والإعراض عنها خير دواء لها.
والله أعلم.