الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فاعلم أولًا أن الواجب على المستوطن في المدينة أن يسعى إلى الجمعة، ولو كان المسجد بعيدًا عن سكنه، أو مكان عمله؛ لأمر الله تعالى بالسعي إليها عند النداء، كما في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ {الجمعة:9}، قال ابن قدامة في المغني: أَمَّا أَهْلُ الْمِصْرِ فَيَلْزَمُهُمْ كُلَّهُمْ الْجُمُعَةُ، بَعُدُوا أَوْ قَرُبُوا, قَالَ أَحْمَدُ: أَمَّا أَهْلُ الْمِصْرِ فَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ شُهُودِهَا، سَمِعُوا النِّدَاءَ أَوْ لَمْ يَسْمَعُوا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَلَدَ الْوَاحِدَ بُنِيَ لِلْجُمُعَةِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ... اهــ. وقال أيضًا: فَأَمَّا مَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ بَعِيدًا لَا يُدْرِكُ الْجُمُعَةَ بِالسَّعْيِ وَقْتَ النِّدَاءِ، فَعَلَيْهِ السَّعْيُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَكُونُ بِهِ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ وَاجِبَةٌ، وَالسَّعْيُ قَبْلَ النِّدَاءِ مِنْ ضَرُورَةِ إدْرَاكِهَا، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ وَاجِبٌ. اهـــ.
فاستأذن من صاحب العمل، واسعَ إلى أداء ما فرضه الله تعالى عليك، ولا تتهاون في ذلك، فقد جاء في الحديث: مَنْ تَرَكَ الجُمُعَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَهَاوُنًا بِهَا، طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ. رواه أبو داود، والترمذي، وغيرهما.
فإن لم يأذن لك صاحب العمل في الانصراف للجمعة، وخفت أنك لو انصرفت إليها دون إذنه أن يطردك، وتتضرر في معيشتك، فلا حرج عليك حينئذ في التخلف عن الجمعة، وتصلي ظهرًا، مع السعي الحثيث في البحث عن عمل آخر، لا تُمنع بسببه من صلاة الجمعة، وتقوم به معيشتك، والخوف إذا كان له مبرر شرعي -كأن يخاف العامل أن يطرد من العمل إن ذهب للجمعة، ويشق عليه إيجاد عمل آخر-، فإنه يعتبر عذرًا من الأعذار المبيحة للتخلف عن الجمعة والجماعة، كما نص على ذلك الفقهاء، جاء في كشاف القناع عند ذكره للأعذار المبيحة للتخلف عن الجمعة والجماعة: وَيُعْذَرُ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ مَنْ يُدَافِعُ الْأَخْبَثَيْنِ: الْبَوْلَ وَالْغَائِطَ، أَوْ يُدَافِعُ أَحَدَهُمَا... أَوْ خَائِفٍ مِنْ ضَرَرٍ فِيهِ، أَيْ: مَالِهِ، أَوْ فِي مَعِيشَةٍ يَحْتَاجُهَا... اهـ.
والله تعالى أعلم.