الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالفتوى المشار إليها برقم: 370183. كان السؤال فيها عن الأخذ بقول الشيخ سعد الخثلان في المسألة، وليس عن المسألة ذاتها، ولهذا كان الجواب متوجها لبيان وجه هذا القول خصوصا. ومع هذا فقد افتتحنا الجواب بالتنبيه على أنه: "لا بد من التفريق بين السؤال عن حكم المسألة، وبين السؤال عن حكم الأخذ بقول عالم معين فيها". ثم ختمنا الجواب بقولنا: "والمقصود هو بيان وجه قول الشيخ في تعريف النرد، وأما الترجيح فأمر آخر".
ولذلك فلا وجه لقول الأخ السائل هنا: (لكنكم لم توضحوا دليل الطرف الآخر في هذه المسألة وردهم على الطرف الأول، فلهذا أشعر بأن رأي الشيخ يميل للصواب) !!
ومع ذلك نقول: الذي يظهر لنا هو دخول الزهر في معنى النرد المنهي عنه! فكل لعبة تعتمد على زجر الزهر تدخل في ذلك، قال الإمام ابن عبد البر في التمهيد وفي الاستذكار: النرد قطع ملونة تكون من خشب البقس وغيره مثل الأبنوس وشبهه، وتكون من العاج ومن غير ذلك، يقال لهما: الطبل. ويعرف أيضا بالكعاب، وتعرف بالأرن، وتعرف بالنردشير. اهـ.
وذكر نحوه ابن العربي المالكي في شرح موطأ مالك.
وحديث ذم النرد جاء في بعض الرويات بلفظ: من لعب بالكعاب فقد عصى الله ورسوله. رواه أحمد وغيره. قال ابن الأثير في جامع الأصول: لعاب النرد يسمون فصوص النرد: كِعَابة. اهـ.
وروى أبو داود والنسائي، وصححه ابن حبان، عن ابن مسعود قال: كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- يكره عشرَ خِلال - وذكر منها: والضربَ بالكِعاب. قال السيوطي في حاشيته على سنن النسائي: هي فصوص النرد، واحدها كعب وكعبة. اهـ.
وقال التُّورِبِشْتِي في شرح مصابيح السنة: وهو النرد وما كان في معناه. اهـ.
وعقد البخاري في الأدب المفرد بابا في إثم من لعب بالنرد، أسند فيه آثارا كثيرة، منها عن عبد الله بن عمرو قال: اللاعب بالفصين قمارا كآكل لحم الخنزير، واللاعب بهما غير قمار كالغامس يده في دم خنزير.
وعن ابن مسعود قال: إياكم وهاتين الكعبتين الموسومتين اللتين يزجران زجرا، فإنهما من الميسر. وصححهما الألباني في تحقيق الأدب المفرد، وقال: يعني بالكعبتين: فصي النرد، الموسومتين: المعلمتين، يعني بنقط. اهـ.
والشاهد فيها النص على الكعبتين والفصين، وهذا يتناول ما يعرف اليوم بالزهر.
وقال الرملي في نهاية المحتاج: معتمد النرد الحزر والتخمين المؤدي إلى غاية من السفاهة والحمق. قال الرافعي ما حاصله: ويقاس بهما ما في معناهما من أنواع اللهو، فكل ما اعتمد الحساب والفكر .. لا يحرم ... وكل ما معتمده التخمين يحرم، ومن القسم الثاني كما أفاده السبكي والزركشي وغيرهما (لِطَابٌ) وهو عصى صغار ترمى وينظر للونها ويرتب عليه مقتضاه الذي اصطلحوا عليه. اهـ.
وهذا الضابط يتناول بعمومه النرد (الزهر) الإلكتروني، فضلا عن الأشكال المختلفة التي يمكن أن يصنع عليها الزهر الحقيقي، كالشكل الهرمي مثلا.
والله أعلم.