الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا نعلم تفسيرًا لما ذكرته عن نفسك، والذي يسعنا بيانه هنا: أن ما يقع في النفوس من الإلهام، والكشف، ونحوها، قد يكون أمرًا نفسانيًّا، وقد يكون مصدره شيطانيًّا، وقد يكون ملائكيًّا، وهذا النوع الأخير هو الذي يكون كرامة من الله لعبده المؤمن، وراجعي تفصيل هذا في الفتوى: 296404.
فحصول الكشف، وغيره من الخوارق لشخص، لا يعني صلاحه، ورضى الله عنه، وأنه من أولياء الله، كلا! بل قد تجري الخوارق على أيدي الفجار، والأشرار، وأعداء الله، فالعبرة في الحكم بصلاح عبد أو فساده، إنما هي في استقامته على طاعة الله، واتباعه للكتاب والسنة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى: وتجد كثيرًا من هؤلاء عمدتهم في اعتقاد كونه وليًّا لله أنه قد صدر عنه مكاشفة في بعض الأمور، أو بعض التصرفات الخارقة للعادة، مثل: أن يشير إلى شخص فيموت؛ أو يطير في الهواء إلى مكة، أو غيرها، أو يمشي على الماء أحيانًا؛ أو يملأ إبريقًا من الهواء؛ أو ينفق بعض الأوقات من الغيب، أو أن يختفي أحيانًا عن أعين الناس؛ أو أن بعض الناس استغاث به وهو غائب، أو ميت، فرآه قد جاءه، فقضى حاجته؛ أو يخبر الناس بما سرق لهم؛ أو بحال غائب لهم، أو مريض، أو نحو ذلك من الأمور؛ وليس في شيء من هذه الأمور ما يدل على أن صاحبها ولي لله؛ بل قد اتفق أولياء الله على أن الرجل لو طار في الهواء، أو مشى على الماء، لم يغتر به؛ حتى ينظر متابعته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وموافقته لأمره ونهيه.
وكرامات أولياء الله تعالى أعظم من هذه الأمور؛ وهذه الأمور الخارقة للعادة، وإن كان قد يكون صاحبها وليًّا لله، فقد يكون عدوًّا لله؛ فإن هذه الخوارق تكون لكثير من الكفار، والمشركين، وأهل الكتاب، والمنافقين، وتكون لأهل البدع، وتكون من الشياطين، فلا يجوز أن يظن أن كل من كان له شيء من هذه الأمور أنه وليّ لله؛ بل يعتبر أولياء الله بصفاتهم، وأفعالهم، وأحوالهم التي دل عليها الكتاب والسنة، ويعرفون بنور الإيمان، والقرآن، وبحقائق الإيمان الباطنة، وشرائع الإسلام الظاهرة. اهـ.
والله أعلم.