الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرًا على اهتمامك بحفظ كتاب الله، وكذلك حرصك على طلب العلم الشرعي، وهو باب عظيم من أبواب الخير، لا ينبغي أن تجعل مجالًا للشيطان؛ ليحول بينك وبين الاستمرار فيه.
والحديث الذي أشرت إليه رواه ابن ماجه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لم نر للمتحابين مثل النكاح. وهو دال على حث المتحابين على النكاح؛ لكونه يطفئ نار العشق في القلب، قال المناوي في "فيض القدير": إذا نظر رجل لأجنبية، وأخذت بمجامع قلبه؛ فنكاحها يورثه مزيد المحبة، كذا ذكر الطيبي. وأفصح منه قول بعض الأكابر: المراد أن أعظم الأدوية التي يعالج بها العشق النكاح، فهو علاجه الذي لا يعدل عنه لغيره، ما وجد إليه سبيلًا. اهـ.
وإن كان اعتراض أمك على زواجك منها لمجرد ما بينها وبين أمّها من خصومة، فما كان ينبغي لأمّك أن تفعل.
ونوصيك بالدعاء، والتضرع إلى الله عز وجل أن ييسر لك إقناع أمّك، واستعن عليها بمن لهم مكانة عندها، وترجو أن يقنعوها، فإن تيسر ذلك، فالحمد لله، وإلا فقد ذكر أهل العلم أن طاعة الوالدين مقدمة على الزواج بامرأة معينة، فيجب عليك طاعة أمّك، ولا تخالفها، إلا لمصلحة راجحة، كأن تخشى أن تقع مع هذه الفتاة في المعصية؛ بسبب حبك لها، ولمزيد من التفصيل، انظر الفتوى: 93194.
ولعلك إذا صبرت، وتركت الزواج منها؛ إيثارًا للبر بأمّك، أن يرزقك الله من هي خير من هذه الفتاة، فليست بآخر النساء.
ثم إنك لا تدري عاقبة زواجك منها، والله سبحانه أعلم بعواقب الأمور، ففوّض أمرك إليه، قال تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {البقرة:216}.
واجتهد في محاولة الخروج من هذا الشعور السيئ الذي أنت فيه، مستعينًا بالله عز وجل بدعائه، وكثرة ذكره سبحانه، فقد قال في محكم كتابه: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد:28}.
واشغل نفسك ووقتك بما ينفع، وتواصل مع الأصدقاء الأخيار، ولا تترك نفسك نهبة للشيطان، فيشغلك بسيئ الأفكار من نحو ما ذكرت من تمني الموت، وهو مما جاءت السنة بالنهي عنه، ففي الصحيحين عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه، فإن كان لا بدّ فاعلًا، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي.
وراجع لمزيد الفائدة، الفتوى: 9360، وهي عن كيفية علاج العشق.
والله أعلم.