الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن كون الفتاة في هذه السن لا يقتضي كونها غير بالغة، فإنها تعتبر بالغة إذا ظهرت عليها واحدة من علامات البلوغ التي ذكرها أهل العلم، وقد بيناها في الفتوى: 26889.
ولا ندري ما تعني بالزواج العرفي هنا، ولعلك تعني الزواج بدون ولي، فإذا كان الأمر كذلك، فإن هذه الفتاة إذا كانت بالغة، فلها أن تزوج نفسها في مذهب أبي حنيفة.
جاء في كتاب البحر الرائق للزيلعي الحنفي: قوله ( نفذ نكاح حرة مكلفة بلا ولي) لأنها تصرفت في خالص حقها، وهي من أهله؛ لكونها عاقلة بالغة، ولهذا كان لها التصرف في المال، ولها اختيار الأزواج. وإنما يطالب الولي بالتزويج كيلا تنسب إلى الوقاحة؛ ولذا كان المستحب في حقها تفويض الأمر إليه. والأصل هنا أن كل من يجوز تصرفه في ماله بولاية نفسه يجوز نكاحه على نفسه، وكل من لا يجوز تصرفه في ماله بولاية نفسه، لا يجوز نكاحه على نفسه. اهـ.
وأما الصغيرة فلا يجوز لها أن تزوج نفسها، بل يزوجها وليها، قال ابن عابدين في رد المحتار: واحترز.... بالمكلفة عن الصغيرة والمجنونة ، فلا يصح إلا بولي. اهـ. ويكون وليها من أهل دينها، فلا يزوجها المسلم إلا أن يكون صاحب ولاية عامة كالسلطان، ففي البحر الرائق أيضا: وكما لا تثبت الولاية لكافر على مسلم كذلك لا تثبت لمسلم على كافرة -أعني ولاية التزويج بالقرابة وولاية التصرف في المال- قالوا وينبغي أن يقال إلا أن يكون المسلم...سلطانا. اهـ.
والخلاصة أن تلك البنت إذا كانت بالغة عاقلة، وتم العقد بينكما مع وجود الشهود عليه صح العقد، ولكننا لا ننصح بالإقدام عليه إذا كانت هناك قوانين تمنعه حتى لا يجر ذلك إلى ما لا تحمد عقباه.
وننبه إلى أن الأولى بالمسلم نكاح مسلمة صالحة تعينه في أمر دينه، وتربية ولده على العقيدة الصافية، والمنهج القويم، والقيم الفاضلة، فنكاح الكتابية لا يخلو من مخاطر، كما سبق وأن بينا في الفتوى: 5315، والفتوى: 124180.
والله أعلم.