الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أول الأمر عن كتابة شيء من أحاديثه؛ لئلا يختلط شيء منها بالقرآن، ثم رخص في ذلك بعد، وكتب جماعة من الصحابة صحفا كانت عندهم كما كتب عبد الله بن عمرو وغيره، ولكن هذا التدوين لم يكن بطريقة منظمة لأسباب كثيرة؛ لعل منها الاشتغال بكتابة الوحي، وتدوينه وقصور آلات الكتابة في ذلك الزمن، والاكتفاء بالحافظة القوية للعرب.
وبدأ تدوين السنة في أواخر القرن الأول على ما هو معلوم بأمر من عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-، ثم تتابع العلماء بعد ذلك في جمع أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- بأسانيدها الصحيحة المتصلة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.
فجمعت من ذلك كتب لا تحصى كثرة؛ منها ما أفرد للصحيح كصحيحي البخاري ومسلم، ومنها ما ضم إلى الصحيح الحسن والضعيف كسنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وكالمسانيد كمسند أحمد، والمصنفات كمصنف عبد الرزاق وابن أبي شيبة، وغير ذلك من الكتب المشهورة.
وقد ألفت كتب كثيرة وبحوث جيدة في تاريخ تدوين السنة النبوية فصلت القول في ذلك بما لا تحتمله هذه الفتوى، ويمكنك على سبيل المثال مراجعة كتاب تدوين السنة النبوية نشأته وتطوره من القرن الأول إلى القرن التاسع الهجري لمؤلفه محمد بن مطر بن عثمان الزهراني.
وأما معرفة الصحيح من غيره، فإن الله تعالى قد مَنَّ على هذه الأمة بجهابذة نقاد ميزوا الصحيح من الضعيف، وأفنوا أعمارهم في هذا الشأن، وبينوا للمسلمين المحجة في هذا السبيل بيانا شافيا، فعلى أقوالهم الاعتماد، فما حكموا بصحته فهو المقبول، وما حكموا برده فهو المردود، وهؤلاء الأئمة الكبار أمثال أحمد بن حنبل والبخاري ومسلم وأبي داود و أبي حاتم الرازي وأبي زرعة ثم النسائي وابن خزيمة ثم ابن حبان والدارقطني والحاكم والبيهقي ثم آل الأمر إلى أعيان المتأخرين من العلماء كالنووي وابن تيمية و الدمياطي والذهبي و ابن عبد الهادي و ابن كثير وابن حجر والسيوطي.
ولا زال يولد جهابذة في هذا الشأن يعنون بالسنة، وينفون عنها التحريف والكذب، ويصونونها من عبث العابثين، ومنهم من المعاصرين على سبيل المثال الشيخ الألباني، و الشيخ أحمد شاكر وآخرون -رحمة الله على الجميع-.
فعلى العامي ألا يروي حديثا وينسبه للنبي -صلى الله عليه وسلم- حتى يتحقق من صحته، وذلك بحكم أحد جهابذة الحديث عليه بذلك.
والله أعلم.