الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فكل ما يقع في الكون، فإنما يقع بتقدير الله تعالى: قال جل اسمه: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49}.
والعبد مع هذا مأمور بأن يأخذ بالأسباب؛ لتحصيل المصالح، ودفع المضار، ثم يؤمن بقدر الله تعالى، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
فإن كانت لديك وسيلة لإكمال تعليمك؛ فخذ بها، ولا تعجز عنها ما أمكنك:
فإذا تيسر الأمر؛ فاحمد الله تعالى، واعلم أن السبب الذي أخذت به، والمسبب الذي هو النتيجة، وهي هنا إكمالك التعليم، كل ذلك بقدر الله تعالى.
وإذا لم تكن لك حيلة؛ فاصبر لحكم الله، وارضَ بما قدره لك.
وهاك كلامًا نافعًا لشيخ الإسلام ابن تيمية -نور الله مرقده- يضبط لك هذا الباب، قال -عليه الرحمة-: والأمر بالصبر، والنهي عن الجزع، معلوم في مواضع كثيرة، وذلك لأن الإنسان بين أمرين:
أمرٌ أُمر بفعله؛ فعليه أن يفعله، ويحرص عليه، ويستعين الله، ولا يعجز.
وأمر أصيب به من غير فعله؛ فعليه أن يصبر عليه، ولا يجزع منه؛ ولهذا قال بعض العقلاء: -ابن المقفع، أو غيره- الأمر أمران: أمر فيه حيلة؛ فلا تعجز عنه، وأمر لا حيلة فيه؛ فلا تجزع منه.
وهذا في جميع الأمور؛ لكن عند المؤمن الذي فيه حيلة، هو ما أمر الله به، وأحبه له؛ فإن الله لم يأمره، إلا بما فيه حيلة له؛ إذ لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وقد أمره بكل خير فيه له حيلة، وما لا حيلة فيه هو ما أصيب به من غير فعله. انتهى.
والله أعلم.