الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دام أبوك قد نوى بناء مسجد في مكان تم فيه تشييد مساجد أخرى، حتى انتفت حاجة المنطقة إلى مسجد آخر، فلا حرج عليه في التراجع عن نيته لعدم الحاجة إلى مسجد زائد على ما تم بناؤه.
قال ابن مفلح -الحنبلي- في الفروع: لا يبني المساجد ليعدي بعضها بعضاً، وقال صالح: قلت لأبي: كم يستحب أن يكون بين المسجدين إذا أرادوا أن يبنوا إلى جانبه مسجداً؟ قال: لا يبنى مسجد يراد به الضرار لمسجد إلى جنبه، فإن كثر الناس حتى يضيق عليهم، فلا بأس أن يبنى. انتهى.
ولكن يستحب له أن يقيم هذا المسجد الذي نوى تشييده في مكان آخر، يحتاج إلى إقامة مسجد ما دام مستطيعا حتى يظفر بأجر وثواب عمارة المساجد؛ فقد أثنى الله سبحانه على من يعمر مساجده فقال: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ. {التوبة:18}.
كما أن بناء المسجد يعد صدقة جارية لمن بناه، تنفعه بعد موته، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ، يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ. رواه ابن ماجه وحسنه الألباني.
والله أعلم.