الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمهما كان تقصير والدك في حقّك في الصغر؛ فإنّ له عليك حقًّا عظيمًا، ولا يسقط حقه في البر، والمصاحبة بالمعروف بتقصيره أو إساءته؛ فإن الله عز وجلّ قد أمر بالمصاحبة بالمعروف للوالدين المشركين الذين يأمران ولدهما بالشرك، قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان:15}.
وإذا كان والدك محتاجًا للنفقة، فالواجب على الموسرين من أولاده أن ينفقوا عليه، والأصل أنّه مصدق في دعواه الحاجة إلى النفقة.
وإذا امتنع جميع الأولاد من الإنفاق على أبيهم، ولم يمكن إجبارهم على الإنفاق، وكان عندك من المال ما يزيد على حاجتك، وحاجة زوجتك وأولادك، وجب عليك أن تنفق على والدك بالمعروف، ويحرم عليك ترك الإنفاق عليه.
وعلى فرض أنّ والدك ليس فقيرًا، وعنده ما ينفق به على نفسه، وسألك بعض المال -وأنت قادر على إعطائه، من غير ضرر-، فلا تتردد في إعطائه، واجتهد في رعايته، والإحسان إليه، وأبشر ببركة هذا العمل في الدنيا والآخرة.
فبرّ الوالد، والإحسان إليه من أفضل الأعمال، وأحبها إلى الله، ففي الأدب المفرد للبخاري عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قَالَ: رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِد، وَسَخَطُ الرب في سخط الوالد.
وعن أبي الدرداء أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع هذا الباب، أو احفظه. رواه ابن ماجه، والترمذي.
قال المباركفوري –رحمه الله- في تحفة الأحوذي: قَالَ الْقَاضِي: أَيْ: خَيْرُ الْأَبْوَابِ، وَأَعْلَاهَا. وَالْمَعْنَى: أَنَّ أَحْسَنَ مَا يُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى دُخُولِ الْجَنَّةِ، وَيُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى وُصُولِ دَرَجَتِهَا الْعَالِيَةِ، مُطَاوَعَةُ الْوَالِدِ، وَمُرَاعَاةُ جَانِبِهِ. انتهى.
والله أعلم.