الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فأن الأسلم لقلبك هو أن تكف عن بثّ تلك الفيديوهات، فالنفس البشرية ضعيفة أمام دواعي الرياء، ومكدرات الإخلاص.
ولو حذفت الفيديوهات السابقة، فهو أحسن، وفيه مجاهدة للنفس، وإرغام لها، وقطع لدابر التفكير في العودة إلى مثل ذلك.
وننقل هنا كلام بعض الأئمة في خطر الرياء، والشهرة، وخفاء مداخلهما، وقلة النجاة منهما، قال الغزالي: قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أخوف ما أخاف على أمتي الرياء، والشهوة الخفية التي هي أخفى من دبيب النملة السوداء، على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء؛ ولذلك عجز عن الوقوف على غوائلها سماسرة العلماء، فضلًا عن عامة العباد، والأتقياء، وهو من أواخر غوائل النفس، وبواطن مكايدها، وإنما يبتلي به العلماء، والعباد، والمشمّرون عن ساق الجد لسلوك سبيل الآخرة، فإنهم مهما قهروا أنفسهم، وجاهدوها، وفطموها عن الشهوات، وصانوها عن الشبهات، وحملوها بالقهر على أصناف العبادات، عجزت نفوسهم عن الطمع في المعاصي الظاهرة الواقعة على الجوارح، فطلبت الاستراحة إلى التظاهر بالخير، وإظهار العمل والعلم، فوجدت مخلصًا من مشقة المجاهدة إلى لذة القبول عند الخلق، ونظرهم إليه بعين الوقار، والتعظيم، فسارعت إلى إظهار الطاعة، وتوصلت إلى اطلاع الخلق، ولم تقنع باطلاع الخالق، وفرحت بحمد الناس، ولم تقنع بحمد الله وحده.
وعلمت أنهم إذا عرفوا تركه الشهوات، وتوقيه الشبهات، وتحمله مشاق العبادات، أطلقوا ألسنتهم بالمدح والثناء، وبالغوا في التقريظ والإطراء، ونظروا إليه بعين التوقير والاحترام، وتبركوا بمشاهدته ولقائه، ورغبوا في بركة دعائه، وحرصوا على اتباع رأيه، وفاتحوه بالخدمة والسلام، وأكرموه في المحافل غاية الإكرام، وسامحوه في البيع والمعاملات، وقدموه في المجالس، وآثروه بالمطاعم والملابس، وتصاغروا له متواضعين، وانقادوا له في أغراضه موقرين.
فأصابت النفس في ذلك لذة هي أعظم اللذات، وشهوة هي أغلب الشهوات، فاستحقرت فيه ترك المعاصي والهفوات، واستلانت خشونة المواظبة على العبادات لإدراكها في الباطن لذة اللذات، وشهوة الشهوات.
فهو يظن أن حياته بالله، وبعبادته المرضية، وإنما حياته بهذه الشهوة الخفية التي تعمى عن دركها العقول النافذة القوية، ويرى أنه مخلص في طاعة الله، ومجتنب لمحارم الله، والنفس قد أبطنت هذه الشهوة تزيينًا للعباد، وتصنعًا للخلق، وفرحًا بما نالت من المنزلة والوقار، وأحبطت بذلك ثواب الطاعات، وأجور الأعمال، وقد أثبتت اسمه في جريدة المنافقين وهو يظن أنه عند الله من المقربين.
وهذه مكيدة للنفس لا يسلم منها إلا الصديقون، ومهواة لا يرقى منها إلا المقربون؛ ولذلك قيل: آخر ما يخرج من رؤوس الصدّيقين حب الرياسة.
وإذا كان الرياء هو الداء الدفين الذي هو أعظم شبكة للشياطين، وجب شرح القول في سببه، وحقيقته ... اهـ.
وقال ابن تيمية: والشرك غالب على النفوس، وهو كما جاء في الحديث هو في هذه الأمة "أخفى من دبيب النمل" وفي حديث آخر: قال أبو بكر: يا رسول الله، كيف ننجو منه وهو أخفى من دبيب النمل؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أعلمك كلمة إذا قلتها نجوت من دقه وجله، قل: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم"، وكان عمر يقول في دعائه: (اللهم اجعل عملي كله صالحًا، واجعله لوجهك خالصًا، ولا تجعل لأحد فيه شيئًا).
وكثيرًا ما يخالط النفوس من الشهوات الخفية ما يفسد عليها تحقيق محبتها لله، وعبوديتها له، وإخلاص دينها له، كما قال شداد بن أوس: يا نعايا العرب، يا نعايا العرب، إن أخوف ما أخاف عليكم الرياء، والشهوة الخفية. وقيل لأبي داود السجستاني: وما الشهوة الخفية؟ قال: حب الرئاسة. اهـ. من مجموع الفتاوى.
وراجع في حكم تلحين الأذان الفتوى: 35591.
والله أعلم.