الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فأقبح ما يعصى الله به هو الشرك، والذبح لغير الله تعالى من الشرك، قال تعالى: قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {الأنعام:162}، وفي صحيح مسلم من حديث علي -رضي الله عنه-: لعن الله من ذبح لغير الله.
والمشرك على خطر عظيم، وهو متوعد بأشد الوعيد، إن لم يتب من هذا الشرك، فهو متوعد بالخلود في النار -عياذًا بالله-، وقد تصيبه بعض مصائب الدنيا؛ انتقامًا من الله تعالى بسبب شركه، ولكن لا يتعين أن يحرم من ملذات الدنيا، كما أن الكفار يشاركون المؤمنين في الاستمتاع بلذائذ الدنيا، ثم إن هذه الملذات تكون خالصة للمؤمنين يوم القيامة، قال تعالى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ {الأعراف:32}، قال ابن كثير: أي: هي مَخْلُوقَةٌ لِمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ، وَعَبَدَهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَإِنْ شَرَكَهُمْ فِيهَا الكفار حبًّا فِي الدُّنْيَا، فَهِيَ لَهُمْ خَاصَّةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ولا يَشْرَكُهُمْ فِيهَا أَحَدٌ مِنَ الْكُفَّارِ؛ فَإِنَّ الْجَنَّةَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ. اهـ.
وقال السعدي: وهذا التوسيع من الله لعباده بالطيبات، جعله لهم ليستعينوا به على عبادته، فلم يبحه إلا لعباده المؤمنين؛ ولهذا قال: {قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أي: لا تبعة عليهم فيها.
ومفهوم الآية: أن من لم يؤمن بالله، بل استعان بها على معاصيه، فإنها غير خالصة له، ولا مباحة، بل يعاقب عليها، وعلى التنعم بها، ويُسأل عن النعيم يوم القيامة. انتهى.
فعلم بذلك أن الكافر والمشرك والذابح لغير الله، لا يتعين أن يحرم من طيبات الحياة الدنيا، ولكنه محاسب عما يستمتع به منها، ومسؤول عن صرفه في غير مرضات الله يوم القيامة، ومحروم من تلك اللذات في الآخرة؛ لأنها خالصة للمؤمنين.
والله أعلم.