الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته ليس فيه أدنى إشكال، فالله -جل وعلا- وحده خالق المسبَّبات، وخالق أسبابها، فحصول المقدور بسبب ما، لا ينافي أبدا كون الله -جل وعلا- هو المتفرد بخلقه وتقديره، وكل ما في الدنيا والآخرة لا يكون إلا بسبب -ومن ذلك: حصول الحياة للجنين-.
قال ابن تيمية: فالله سبحانه هو خالق الأسباب كلها؛ سواء كانت الأسباب حركة حي باختياره وقصده، كما يحدثه تعالى بحركة الملائكة والجن والإنس والبهائم، أو حركة جماد بما جعل الله فيه من الطبع أو بقاسر يقسره، كحركة الرياح والمياه ونحو ذلك. فالله خالق ذلك كله، فإنه لا حول ولا قوة إلا به، وما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن. اهـ.
وقال: فليس في الدنيا والآخرة شيء إلا بسبب، والله خالق الأسباب والمسببات .اهـ. مجموع الفتاوى.
وقال أيضا: وأهل السنة لا ينكرون وجود ما خلقه الله من الأسباب، ولا يجعلونها مستقله بالآثار، بل يعلمون أنه ما من سبب مخلوق إلا وحكمه متوقف على سبب آخر، وله موانع تمنع حكمه، كما أن الشمس سبب في الشعاع، وذلك موقوف على حصول الجسم القابل به، وله مانع كالسحاب والسقف. والله خالق الأسباب كلها، ودافع الموانع .اهـ. من درء التعارض.
وقال: والله تعالى خلق الأسباب والمسببات، والأسباب ليست مستقلة بالمسببات؛ بل لا بد لها من أسباب أخر تعاونها، ولها - مع ذلك - أضداد تمانعها، والمسبب لا يكون حتى يخلق الله جميع أسبابه، ويدفع عنه أضداده المعارضة له، وهو سبحانه يخلق جميع ذلك بمشيئته وقدرته، كما يخلق سائر المخلوقات. اهـ. مجموع الفتاوى.
فنفخ الملك الروح في الجنين ليس فيه أدنى معارضة؛ لكون الله -جل وعلا- هو المتفرد بالإحياء، وأنه المحيي وحده سبحانه.
فنفخ الملك لا يكون إلا بأمر الله ومشيئته وقدرته وحده لا شريك له. ولو لم يشأ الله ذلك لم يكن.
والله أعلم.