الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن حفظ القرآن، فرض كفاية، كما صرح بذلك غير واحد من أهل العلم، وانظري الفتوى: 135817.
أما نسيانُه بعد حفظه كلًّا, أو بعضًا نتيجة الإهمال، وعدم التعهد, فهو معصية شنيعة, بل قال بعض أهل العلم: إن هذا النسيان من الكبائر.
وإنما كانت العقوبة أشد في الناسي بعد الحفظ؛ لأنه قد فرَّط في نعمة الله تعالى عليه، فلم يشكرها، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: وقال القرطبي: من حفظ القرآن أو بعضه، فقد علت رتبته بالنسبة إلى من لم يحفظه، فإذا أخل بهذه الرتبة الدينية؛ حتى تزحزح عنها، ناسب أن يعاقب على ذلك؛ فإن ترك معاهدة القرآن يفضي إلى الرجوع إلى الجهل، والرجوع إلى الجهل بعد العلم شديد. اهـ.
وقال الهروي في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: (ثم نسيها)، قال الطيبي: شطر الحديث مقتبس من قوله تعالى: {كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى} [طه:126]، يعني على قول في الآية، وأكثر المفسرين على أنها في المشرك، والنسيان بمعنى ترك الإيمان، وإنما قال: أوتِيَها دون حَفظها، إشعارًا بأنها كانت نعمة جسيمة، أولاها الله ليشكرها، فلما نسيها، فقد كفر تلك النعمة، فبالنظر إلى هذا المعنى، كان أعظم جرمًا، وإن لم يعد من الكبائر، واعترضه ابن حجر، وقال: قول الشارح: وإن لم يعد من الكبائر عجيب، مع تصريح أئمتنا بأن نسيان شيء منه، ولو حرفًا بلا عذر، كمرض، وغيبة عقل كبيرة. اهـ.
وراجعي المزيد من كلام أهل العلم في هذه المسألة, وذلك في الفتوى: 340117.
والله أعلم.