الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه كلمة قبيحة منكرة، وقائلها إن لم يتب فهو على خطر عظيم، والواجب أن ينصح، ويبين له أنه لا يقع شيء في الكون إلا بإذن الله ومشيئته. وأن العبد إن لم يوفقه الله للفعل ويقدره عليه، فلا قدرة له ولا توفيق، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا يكون في ملكه سبحانه إلا ما يريد. كما قال تعالى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ {التكوير:29}، وقال تعالى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا {الإنسان:30}.
قال ابن القيم رحمه الله: الله سبحانه خالق كل شيء، وربه ومليكه، وكل ما في الكون من أعيان وأفعال وحوادث فهو بمشيئته وتكوينه، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
قضيتان لا تخصيص فيهما بوجه من الوجوه، وكل ما يشاؤه فإنما يشاؤه بحكمة اقتضاها حمده ومجده، فحكمته البالغة أوجبت كل ما في الكون من الأسباب والمشيئات. انتهى.
ولهذا علم الله خلقه ألا يقدموا على فعل شيء إلا أن يعلقوه بمشيئته سبحانه، فقال تعالى: وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ {الكهف:23-24}.
قال ابن كثير: هَذَا إِرْشَادٌ مِنَ اللَّهِ تعالى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْأَدَبِ فِيمَا إِذَا عَزَمَ عَلَى شَيْءٍ لِيَفْعَلَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، أَنْ يَرُدَّ ذَلِكَ إِلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، عَلَّامِ الْغُيُوبِ الَّذِي يَعْلَمُ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ، وَمَا لَمْ يكن لو كان كيف يَكُونُ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ: لَأَطُوفُنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةً- وَفِي رِوَايَةِ: تِسْعِينَ امْرَأَةً، وَفِي رِوَايَةٍ: مِائَةِ امْرَأَةٍ- تَلِدُ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ غُلَامًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقِيلَ لَهُ- وَفِي رِوَايَةٍ قال لَهُ الْمَلَكُ: قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يقل، فطاف بهم فَلَمْ يَلِدْ مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ نِصْفَ إِنْسَانٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَانَ دَرْكًا لِحَاجَتِهِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «وَلَقَاتَلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فُرْسَانًا أجمعين. انتهى.
وقال السعدي رحمه الله: هذا النهي كغيره، وإن كان لسبب خاص وموجها للرسول صل الله عليه وسلم، فإن الخطاب عام للمكلفين، فنهى الله أن يقول العبد في الأمور المستقبلة، {إني فاعل ذلك} من دون أن يقرنه بمشيئة الله، وذلك لما فيه من المحذور، وهو: الكلام على الغيب المستقبل، الذي لا يدري، هل يفعله أم لا؟ وهل تكون أم لا؟ وفيه رد الفعل إلى مشيئة العبد استقلالا، وذلك محذور محظور؛ لأن المشيئة كلها لله: {وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين}. ولما في ذكر مشيئة الله، من تيسير الأمر وتسهيله، وحصول البركة فيه، والاستعانة من العبد لربه، ولما كان العبد بشرا، لا بد أن يسهو فيترك ذكر المشيئة، أمره الله أن يستثني بعد ذلك، إذا ذكر، ليحصل المطلوب، وينفع المحذور. انتهى.
فعلم بما تقرر نكارة هذا القول وشناعته، وأن الواجب نصيحة من يتفوه بهذه الكلمة العظيمة الشنيعة، ودعوته إلى أن يتوب إلى الله تعالى مما تلفظ به.
والله أعلم.