الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا فهمنا من سؤالك أن الرجل تزوجها في المحكمة بدون ولي وبحضور شاهدين، وأن الطفل الأول ولد من زنا قبل أن يتزوجها سرا.
وسنبني جوابنا على هذا الفهم، فنقول: أما الطفل الذي ولد من زنا، فإنه يُنسب إلى أمه ويرثها، ولا علاقة له بالزاني لا من حيث النسب، ولا من حيث الميراث، فلا يرثه.
وأما العقد فإن هذا العقد مختلف في صحته عند الفقهاء، فالجمهور على أنه غير صحيح، ويرى الحنفية أنه صحيح، وقد بينا ذلك في الفتوى: 291646.
وما دام أن الرجل قد مات، فقد فات أوان تصحيح العقد.
وأما وقوع التوارث في هذا النكاح المختلف فيه: فبالنسبة للطفل الذي ولد بعد العقد، فإنه يرث ولا إشكال، ما دام أن الزوج قد أقدم على النكاح ظانا صحته. والفقهاء متفقون على أن من تزوج بعقد باطل، ظنا منه أن العقد صحيح، فإنه يثبت نسب الولد ويقع به التوارث، ولو كان العقد فاسدا في ذاته.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ كُلَّ نِكَاحٍ اعْتَقَدَ الزَّوْجُ أَنَّهُ نِكَاحٌ سَائِغٌ، إذَا وَطِئَ فِيهِ فَإِنَّهُ يَلْحَقُهُ فِيهِ وَلَدُهُ، وَيَتَوَارَثَانِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ النِّكَاحُ بَاطِلًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ . اهــ.
وقال أيضا: وَمَنْ نَكَحَ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا، مُتَّفَقًا عَلَى فَسَادِهِ، أَوْ مُخْتَلَفًا فِي فَسَادِهِ، فَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْهَا يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ، وَيَتَوَارَثَانِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. اهــ.
وأما بالنسبة للزوجة: فإنها لا ترث في قول جمهور أهل العلم، حيث يرون أنه لا توارث بين الزوجين في النكاح الفاسد. ولا فرق عندهم بين المتفق على فساده، وبين المختلف فيه. ويرى الإمام مالك أنه يقع التوارث في النكاح المختلف فيه، إذا مات أحد الزوجين قبل الفسخ؛ لأنه نكاح صحيح على قول بعض الفقهاء.
جاء في الموسوعة الفقهية: فَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا، فَلاَ تَوَارُثَ وَلَوِ اسْتَمَرَّتِ الْعِشْرَةُ بِمُقْتَضَاهُ إِلَى الْوَفَاةِ.
وَهَذَا مَذْهَبُ الأْئِمَّةِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ.
وَقَال الإْمَامُ مَالِكٌ: إِنَّ سَبَبَ الْفَسَادِ إِنْ كَانَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ كَتَزَوُّجِ خَامِسَةٍ وَفِي عِصْمَتِهِ أَرْبَعٌ، أَوْ تَزَوُّجِ الْمُحَرَّمَةِ رَضَاعًا جَاهِلاً بِسَبَبِ التَّحْرِيمِ فَإِنَّهُ لاَ تَوَارُثَ، سَوَاءٌ أَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْل الْمُتَارَكَةِ وَالْفَسْخِ، أَمْ مَاتَ بَعْدَهُمَا.
وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلْفَسَادِ غَيْرَ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ كَعَدَمِ الْوَلِيِّ فِي النِّكَاحِ فِي زَوَاجِ الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ، فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَأَمْثَالِهَا إِنْ كَانَتِ الْوَفَاةُ بَعْدَ الْفَسْخِ فَلاَ تَوَارُثَ؛ لِعَدَمِ قِيَامِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْمِيرَاثِ؛ إِذِ انْتَهَتِ الزَّوْجِيَّةُ. وَإِنْ كَانَتِ الْوَفَاةُ قَبْل الْفَسْخِ، فَيَكُونُ الْمِيرَاثُ ثَابِتًا، لِقِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ عَلَى رَأْيِ مَنْ يَرَى صِحَّةَ الزَّوَاجِ. اهــ.
ويرجع إلى المحكمة في الحكم بميراث المرأة من عدمه.
والله أعلم.