الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخطأتم في سب والد ذلك الولد، وإن سب هو والدكم لم يجز لكم أن تقابلوه بسب أبيه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: مَنْ سَبَّ أَبَا رَجُلٍ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسُبَّ أَبَاهُ سَوَاءٌ كَانَ هَاشِمِيًّا أَوْ غَيْرَ هَاشِمِيٍّ؛ فَإِنَّ أَبَا السَّابِّ لَمْ يَظْلِمْهُ؛ وَإِنَّمَا ظَلَمَهُ السَّابُّ {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}. اهــ.
فالواجب عليكم التوبة إلى الله تعالى، بالندم، والعزم على عدم العودة لمثلها مستقبلا.
وأما مقابلة إساءته بما ليس فيه تعد، فلا إثم عليكم فيه؛ لقول الله تعالى: لقوله تعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ {البقرة: 194}، حتى في الضرب لكم أن تقابلوه بمثله.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية: عَنْ الرَّجُلِ يَلْطِمُ الرَّجُلَ، أَوْ يُكَلِّمُهُ، أَوْ يَسُبُّهُ: هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ كَمَا فَعَلَ؟
فأجاب بقوله: أَمَّا "الْقِصَاصُ فِي اللَّطْمَةِ، وَالضَّرْبَةِ" وَنَحْوِ ذَلِكَ: فَمَذْهَبُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَغَيْرِهِمْ مِن الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّ الْقِصَاصَ ثَابِتٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَعِيدٍ الشَّالَنْجِيِّ. وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ مِنْ ذَلِكَ قِصَاصٌ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِيهِ مُتَعَذِّرَةٌ فِي الْغَالِبِ، وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ فَإِنَّ سُنَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَضَتْ بِالْقِصَاصِ فِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ سُنَّةُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40]. وَقَالَ تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194]. وَنَحْوُ ذَلِكَ ...
وَكَذَلِكَ لَهُ أَنْ يَسُبَّهُ كَمَا يَسُبُّهُ: مِثْلُ أَنْ يَلْعَنَهُ كَمَا يَلْعَنُهُ. أَوْ يَقُولُ: قَبَّحَك اللَّهُ. فَيَقُولُ: قَبَّحَك اللَّهُ. أَوْ: أَخْزَاك اللَّهُ. فَيَقُولُ لَهُ: أَخْزَاك اللَّهُ. أَوْ يَقُولُ: يَا كَلْبُ، يَا خِنْزِيرُ، فَيَقُولُ: يَا كَلْبُ، يَا خِنْزِيرُ، فَأَمَّا إذَا كَانَ مُحَرَّمَ الْجِنْسِ مِثْلَ تَكْفِيرِهِ أَوْ الْكَذِبِ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُكَفِّرَهُ وَلَا يَكْذِبَ عَلَيْهِ. وَإِذَا لَعَنَ أَبَاهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَلْعَنَ أَبَاهُ؛ لِأَنَّ أَبَاهُ لَمْ يَظْلِمْهُ. اهــ.
فانظر فيما فعلته وابن عمك بذلك الرجل. فما كان من مقابلة لفعله بدون تعد، فلا إثم عليكم فيه، وما كان فيه تعد فتوبوا إلى الله منه، ولا يلزمكم البحث عنه واستحلاله ما دمتم لا تعرفونه.
والله أعلم.