الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبداية نود أن نقرر أصل مراعاة الشريعة لمسألة حفظ الصحة والوقاية من الأمراض مهما أمكن. ومما يندرج تحت هذا الأصل: قضية التحرز من نقل العدوى، ومخالطة أصحاب الأدواء الخطيرة إذا كانت معدية.
فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن رجل مبتلى، سكن في دار بين قوم أصحاء. فقال بعضهم: لا يمكننا مجاورتك، ولا ينبغي أن تجاور الأصحاء، فهل يجوز إخراجه؟
فأجاب: نعم، لهم أن يمنعوه من السكن بين الأصحاء؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يورد ممرض على مصح». فنهى صاحب الإبل المراض، أن يوردها على صاحب الإبل الصحاح، مع قوله: «لا عدوى ولا طيرة». وكذلك روي أنه: «لما قدم مجذوم ليبايعه، أرسل إليه بالبيعة، ولم يأذن له في دخول المدينة». اهـ.
وأما بخصوص هذا السؤال، فإن الأمر في صلاة الجماعة وفي صلاة العيد، أوسع منه في صلاة الجمعة، فعلى مذهب جمهور الفقهاء لا تجب صلاة الجماعة والعيد على الأعيان، بخلاف صلاة الجمعة؛ فإن حضورها فرض متعين على الرجال إلا من عذر. قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الجمعة: 9].
وعلى ذلك، فالسؤال هو: هل يُعدُّ وجود مثل هذا المرض المذكور عذرا للتخلف عن صلاة الجمعة في حق من تجب عليه؟
وجواب ذلك يختلف بحسب الواقع والضرر المتوقع ونسبة وقوعه! وبصفة عامة فإن الحكم للغالب والنادر لا حكم له، وراجع الفتوى: 32375.
والأمر في ذلك أظهر بالنسبة للمريض نفسه، فيرخص له في التخلف عنها، بل قد يجب عليه ذلك، بحسب حاله، وانظر الفتوى: 98143.
وهنا ننبه على أمر مهم، وهو أن مثل هذه النوازل العامة ينبغي أن يُرجَع في تقدير ضررها ونسبة وقوعه إلى أهل الاختصاص والجهات المعنية والهيئات الصحية، فهم أهل الذكر في هذه القضية. ولا يستبد المرء فيها برأيه وتقديره الشخصي.
والله أعلم.