الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن شقًّا وسطيحًا كانا من الكهان في الجاهلية، وكتب السيرة تذكر شيئًا من خبرهم في نبوءتهم ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك معدود من إرهاصات نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، قال الرازي في تفسيره: ثبت بالأخبار القريبة من التواتر أن شقًّا وسطيحًا كانا كاهنين يخبران بظهور نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قبل زمان ظهوره، وكانا في العرب مشهورين بهذا النوع من العلم، حتى رجع إليهما كسرى في تعرف أخبار رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم. اهـ.
وقال ابن تيمية: وقد جمع لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم جميع أنواع "المعجزات، والخوارق":
أما العلم، والأخبار الغيبية، والسماع، والرؤية، فمثل أخبار نبينا صلى الله عليه وسلم عن الأنبياء المتقدمين، وأممهم، ومخاطباته لهم، وأحواله معهم، وغير الأنبياء من الأولياء، وغيرهم بما يوافق ما عند أهل الكتاب الذين ورثوه بالتواتر، أو بغيره، من غير تعلم له منهم.
وكذلك إخباره عن أمور الربوبية، والملائكة، والجنة والنار بما يوافق الأنبياء قبله، من غير تعلم منهم.
وكذلك إخباره عن الأمور المستقبلة، مثل مملكة أمته، وزوال مملكة فارس والروم.
وكذلك ما أخبر عنه غيره: مما وجد في كتب الأنبياء المتقدمين، وهي في وقتنا هذا اثنان وعشرون نبوءة بأيدي اليهود والنصارى، كالتوراة، والإنجيل، والزبور، وكذلك إخبار غير الأنبياء: من الأحبار، والرهبان، وكذلك إخبار الجن، والهواتف المطلقة، وإخبار الكهنة، كسطيح، وشق، وغيرهما، وكذلك المنامات، وتعبيرها: كمنام كسرى. اهـ. باختصار.
وشق وسطيح رجلان من الإنس، وتذكر لها صفات خَلقية غريبة، جاء في البداية والنهاية لابن كثير: أما سطيح، فاسمه ربيع بن ربيعة بن مسعود بن مازن بن ذئب بن عدي بن مازن بن غسان.
وأما شق، فهو ابن صعب بن يشكر بن رهم بن أفرك بن قسر بن عبقر بن أنمار بن نزار، ومنهم من يقول: أنمار بن أراش بن لحيان بن عمرو بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ.
ويقال: إن سطيحًا كان لا أعضاء له، وإنما كان مثل السطيحة، ووجهه في صدره، وكان إذا غضب، انتفخ، وجلس، وكان شق نصف إنسان، ويقال: إن خالد بن عبد الله بن القسري كان سلالته، وذكر السهيلي أنهما ولدا في يوم واحد، وكان ذلك يوم ماتت طريفة بنت الخير الحميرية. اهـ.
وشأن شق وسطيح فيما يخبرون به هو كشأن غيرهم من الكهان، يخبرون بما يتلقونه عن مسترقي السمع من الجن، قال أبو حيان في تفسيره: أما قصة شق وسطيح، فليس فيها شيء من الإخبار بالغيب؛ لأنه مما يخبر به رئي الكهان من الشياطين مسترقة السمع، كما جاء في الحديث: «إنهم يسمعون الكلمة، ويكذبون، ويلقون إلى الكهنة، ويزيد الكهنة للكلمة مائة كذبة»، وليس هذا من علم الغيب؛ إذ تكلمت به الملائكة، وتلقفها الجنيّ، وتلقفها منه الكاهن، فالكاهن لم يعلم الغيب. اهـ.
والله أعلم.