الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأولى بالمسلم أن يوازن بين التعلم والتعليم ما استطاع إلى ذلك سبيلا؛ كما أنه ينبغي عليه ألا يقدم على تعليم الناس شيئا يجهله، ولا يحيط به وبأصوله علما.
وعليه؛ فلو كان المرء قد أتقن إحدى القراءات، ثم تعارض تعلمه لبقيتها مع تعليمه للناس تعارضا متحققا، لا يمكنه الجمع معه في المستقبل القريب، وكان بالناس حاجة ماسة لتعليمه؛ فالأولى تعليمهم؛ لأن العبادة المتعدية النفع، أفضل من العبادة القاصرة على صاحبها وأكثر أجرا.
ولا شك أن تعلم القراءات ورواياتها أمر مرغب فيه ومطلوب شرعا، بل هو من فروض الكفاية التي يخاطب بها الجميع، وفيه من الخير الكثير والثواب الجزيل ما الله به عليم. ففي الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خيركم من تعلم القرآن وعلمه. وقال صلى الله عليه وسلم: الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران. رواه مسلم وغيره.
ولا شك أن الإحسان إلى الناس ومساعدتهم ونفعهم، فضله عظيم وثوابه جزيل، وصاحبه محمود عند الله وعند الناس، فقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أحب الناس إلى الله، أنفعهم للناس. رواه الطبراني وحسنه الألباني. وفي لفظ آخر: خير الناس أنفعهم للناس. رواه الطبراني في الأوسط وصححه الألباني.
كما قد ثبت عنه أنه قال: من كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته. رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: من استطاع أن ينفع أخاه؛ فلينفعه. أخرجه مسلم.
ولا شك أن العبادة التي نفعها متعد للغير كتعليم قراءة القرآن، أفضل من العبادة التي نفعها قاصر على العبد كتعلم القرآن مع عدم التفرغ لتعليمه، ففي الحديث: ذهب المفطرون اليوم بالأجر. رواه البخاري ومسلم.
جاء في حاشية السندي على سنن النسائي: ذهب المفطرون بِالْأَجْرِ. أَي: حصل لَهُم بالإعانة فِي سَبِيل الله من الْأجر، فَوق مَا حصل للصائمين بِالصَّوْمِ؛ بِحَيْثُ يُقَال: كَأَنَّهُمْ أخذُوا الْأجر كُله. اهـ.
وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري: قوله: (ذهب المفطرون) بالأجر، أي: بالأجر الأكمل الوافر؛ لأن نفع صوم الصائمين قاصر على أنفسهم، وليس المراد نقص أجرهم، بل المراد أن المفطرين حصل لهم أجر عملهم، ومثل أجر الصوام؛ لتعاطيهم أشغالهم وأشغال الصوام. اهـ.
والله أعلم.