الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنشكرك في البدء على استقامتك على طاعة الله عز وجل، وحذرك من العقوق، واجتهادك في أمر التواصل مع والدك، فجزاك الله خيرًا.
وإن كان حال والدك في التعامل معكم على ما ذكرت من التقصير بشأن النفقة، والرعاية، والتربية، فهو مسيء بذلك، ومسؤول أمام الله عز وجل، روى أحمد، وأبو داود عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت.
ولا مؤاخذة عليك في كونك لا تحبه؛ لأن أمر الحب والبغض من الأمور القلبية التي لا اختيار للمرء فيها، وقد قال الله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الأحزاب:5}، وروى ابن ماجه عن أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد تجاوز عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه.
ولكن يجب الحذر من أن يكون ذلك حاملًا على الإساءة والعقوق، فمن حق الوالد أن يبره ولده، ويحسن إليه بكل حال.
ويجب عليك صلته بما هو ممكن، فالصلة يرجع فيها إلى العرف، كما بينا في الفتوى: 370873.
وإذا كان لديك مال زائد عن حاجتك وحاجة أهلك وعيالك، فأحسن إليه بشيء منه، فقد يكون ذلك معينًا على جلب المودة بينكما، قال تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34}، قال ابن كثير في تفسيره: ادفع بالتي هي أحسن؛ أي: من أساء إليك، فادفعه عنك بالإحسان إليه، كما قال عمر -رضي الله عنه-: ما عاقبتَ من عصى الله فيك، بمثل أن تطيع الله فيه. وقوله: فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم؛ وهو الصديق، أي: إذا أحسنت إلى من أساء إليك، قادته تلك الحسنة إليه إلى مصافاتك، ومحبتك، والحنو عليك؛ حتى يصير كأنه ولي لك حميم؛ أي: قريب إليك من الشفقة عليك، والإحسان إليك. اهـ.
ولا بأس بأن تترك من أبواب الصلة ما قد يلحقك منه شيء من الأذى، وراجع لمزيد الفائدة الفتوى: 206866.
والله أعلم.