الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالله تعالى (الواجب الوجود) لا بدّ أن يتصف بكل صفات الكمال، ويتنزه عن كل صفات النقص، وراجع في أدلة ذلك الفتوى: 163423.
وتعدد واجب الوجود ممتنع، كما سبق بيانه في الفتاوى: 306157، 393355، 306157.
كما أن واجب الوجود، لا يجوز عليه العدم، وراجع في ذلك الفتوى: 400675. ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتوى: 297787، وراجع في تعريف الممتنع والواجب الفتوى: 364606.
وعلى ذلك؛ فافتراض تعدد الآلهة: افتراض باطل ومحال، كما أن افتراض أنه لا يغالب ولا يقهر بعضهم بعضًا، لا يسلم معه هذا الافتراض الباطل، ولو احتمالًا؛ لأن التعدد لا يمكن معه اتحاد الإرادة في كل شيء مطلقًا، فإذا أراد أحدهم شيئًا، وأراد آخر خلافه، فإرادة من ستنفذ؟! والفرض أن الإله لا بد أن تنفذ إرادته.
ثم إن هذا الفرض لا يتعدى حد الممكن، وكونه ممكنًا لا لازمًا يترتب عليه المحال؛ ولذلك قال ابن عطية في المحرر الوجيز: ..الجزء المخترع محال أن يتعلق به قدرتان فصاعدًا، أو يختلف الإلهان في إرادة: فمحال نفوذهما، ومحال عجزهما، فإذا نفذت إرادة الواحد، فهو العالي والآخر ليس بإله. فإذا قيل: نقدرهما لا يختلفان في إرادة! قيل: ذلك بفرض، فإذا جوزه الكفار قامت الحجة؛ فإن ما التزم جوازه جرى ما التزم وقوعه. اهـ.
وقال في موضع آخر: نقتضب شيئًا من الدليل على أنه لا يجوز أن يكون مع الله تبارك وتعالى غيره، وذلك على ما قال أبو المعالي، وغيره: إنا لو فرضناه؛ لفرضنا أن يريد أحدهما تسكين جسم والآخر تحريكه، ومستحيل أن تنفذ الإرادتان، ومستحيل أن لا تنفذ جميعًا، فيكون الجسم لا متحركًا ولا ساكنًا، فإن صحت إرادة أحدهما دون الآخر فالذي لم تتم إرادته ليس بإله، فإن قيل: نفرضهما لا يختلفان، قلنا: اختلافهما جائز غير ممتنع عقلًا، والجائز في حكم الواقع.
ودليل آخر: إنه لو كان الاثنان لم يمتنع أن يكونوا ثلاثة، وكذلك إلى ما لا نهاية.
ودليل آخر: أن الجزء الذي لا يتجزأ من المخترعات لا تتعلق به إلا قدرة واحدة، لا يصح فيها اشتراك، والآخر كذلك دأبا، فكل جزء إنما يخترعه واحد، وهذه نبذة شرحها بحسب التقصي يطول. اهـ.
وقد سبق لنا بيان أدلة ذلك في الفتويين: 129287، 129204. وراجع لبيان دليل التمانع الفتوى: 278662.
والله أعلم.