الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فطول العمر فيه مزيد من حجة الله تعالى على عبده، بلا ريب، ولذلك بوب الإمام البخاري في كتاب الرقاق من صحيحه: باب من بلغ ستين سنة، فقد أعذر الله إليه في العمر؛ لقوله: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ {فاطر:37}، يعني الشيب. اهـ. وأسند فيه حديث أبي هريرة مرفوعا: أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغه ستين سنة.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: الإعذار إزالة العذر، والمعنى أنه لم يبق له اعتذار، كأن يقول: لو مد لي في الأجل لفعلت ما أمرت به ... والمعنى أن الله لم يترك للعبد سببا في الاعتذار يتمسك به. اهـ.
وقال ابن هبيرة في الإفصاح: إذا أمهل الله عبده حتى جاوز زمن الصبي والحداثة، وسن الشبيبة، ودخل في الكهولة، فقد أعذر إليه؛ لأنه لا يبقى بعد هذا من العمر إلا ما لا يؤثر فيه النقص، ويستولي عليه الضعف، فلا يكون تركه ما يترك عن قدرة عليه، بل عن عجز عنه، ولا يأخذ ما يأخذ إلا إضرارًا به. اهـ.
قال الكَوْرَاني في الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري: الصبي يمكن أن يعتذر له، وكذا الشباب؛ لاشتعَال الهوى فيه، وفي الكهولة بقايا، وأمَّا الشيخوخة فقد تناقصُ فيها من كلِّ وجه. اهـ.
ولكن هذا لا يعني إعفاء من مات شابا من الحساب، وإنما المراد أنه أخف حالا ممن كبر سنه، وبلغ مرحلة الشيخوخة. وإلا فالاحتمال الذي ذكرته السائلة يمكن أن يقابل باحتمالات أخرى، فإن من يطول عمره ويسوء عمله، أشد في الحساب ممن لا يطول عمره وإن ساء عمله.
فعن أبي بكرة الثقفي أن رجلا قال: يا رسول الله؛ أي الناس خير؟ قال: من طال عمره وحسن عمله. قال: فأي الناس شر؟ قال: من طال عمره وساء عمله. رواه أحمد والترمذي، وقال: حسن صحيح. وابن ماجه، وحسنه الألباني والأرنؤوط.
وعلى أية حال، فذكر هذه الاحتمالات للأعمار وأحوال أصحابها لا يغني شيئا، فمن الشباب من يكون صالحا ومصلحا. ومن الشيبان من يكون فاسدا مفسدا. والله تعالى أعلم بأحوال عباده، وحكمته في قسم الأرزاق والأعمار أعلى وأكبر من أن يحيط الناس بها علما.
والله أعلم.