الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- من بني هاشم، وقد كانت لهم زعامة قريش في مكة، وقريش أوسط قبائل العرب، وأفضلها نسبا. وبنو هاشم كان فيهم الغني الموسر، وفيهم من هو دون ذلك.
وأما النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يكن معدودا من الأغنياء أصحاب الأموال، ومع ذلك لم يخطئ من نفى عنه الفقر الذي هو الحاجة إلى الخلق، فقد أغناه الله تعالى من فضله.
قال تاج الدين السُّبْكي في طبقات الشافعية: وسماعي مرات كثيرات من الشيخ الإمام الوالد رحمه الله - وهو معتقدي - أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يكن فقيرا قط، ولا كانت حالته حالة الفقراء، بل كان أغنى الناس بالله، وكان الله تعالى قد كفاه أمر دنياه في نفسه وعياله ومعاشه. وأحفظ أن الشيخ الإمام -رحمه الله- أقام من مجلسه من قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- فقيرا، قياما صعبا، وكاد يسطو به، وما نجاه منه إلا أنه استتابه واستسلمه. وكان -رحمه الله- يقول في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (اللهم أحيني مسكينا) إن المراد به استكانة القلب لا المسكنة التي هي أن يجد ما لا يقع موقعا من كفايته ... وكان -رحمه الله- يشدد النكير على من يعتقد ذلك. والحق معه ... فما كان -صلى الله عليه وسلم- فقيرا من المال قط ولا مسكينا. نعم كان أعظم الناس جؤارا إلى ربه، وخضوعا له، وأشدهم في إظهار الافتقار إليه، والتمسكن بين يديه. اهـ.
ونفي الفقر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- باعتبار الغالب، وهذا لا يتعارض مع كونه قد يجوع أحيانا ويستسلف؛ لكونه ينفق ما عنده في الجهاد، وعلى فقراء المسلمين، ثم لا يلبث ربه -عز وجل- أن يفتح عليه من رزقه وفضله، فيغنيه؛ ولذلك قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى {الضحى:8} قال: أي: كنت فقيرا ذا عيال، فأغناك الله عمن سواه، فجمع له بين مقامي الفقير الصابر والغني الشاكر. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى: كان في أكابر الأنبياء والمرسلين والسابقين الأولين من كان غنيا: كإبراهيم الخليل وأيوب وداود وسليمان وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وسعد بن معاذ وأسيد بن الحضير وأسعد بن زرارة وأبي أيوب الأنصاري وعبادة بن الصامت ونحوهم. ممن هو من أفضل الخلق من النبيين والصديقين. وفيهم من كان فقيرا: كالمسيح عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا وعلي بن أبي طالب وأبي ذر الغفاري ومصعب بن عمير وسلمان الفارسي ونحوهم. ممن هو من أفضل الخلق من النبيين والصديقين. وقد كان فيهم من اجتمع له الأمران: الغنى تارة والفقر أخرى؛ وأتى بإحسان الأغنياء وبصبر الفقراء: كنبينا -صلى الله عليه وسلم-، وأبي بكر، وعمر. اهـ.
ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتويين: 144073، 391915.
ونعتذر عن جواب السؤال الثاني عملا بسياسة الموقع في الجواب على السؤال الأول من الأسئلة المتعددة في الفتوى الواحدة.
والله أعلم.