الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمال الذي يعطيه والدك لأمه، يختلف حكمه بحكم نية والدك: فإن نوى أنه هبة لها؛ فإن المال يصير ملكا لجدتك؛ لأن الهبة إذا تمت ترتب عليها انتقال الموهوب من ملك الواهب إلى ملك الموهوب له.
جاء في الموسوعة الفقهية عن تعريف الهبة: هِيَ شَرْعًا: تَمْلِيكُ الْعَيْنِ بِلاَ عِوَضٍ.. اهـ.
فذلك المال صارا ملكا لأمه وخرج عن ملكه، وعليه فإذا ماتت أمه فإن ذلك المال يكون تركةً، ويرثه ورثتها، ويقسمونه بينهم القسمة الشرعية.
وإذا أوصت بأن يكون المال بعد وفاتها له، فهذه وصية لوارث، وليست وصية ملزمة، ولبقية الورثة أن يردوها.
جاء في شرح منتهى الإرادات: وَتَحْرُمُ الْوَصِيَّةُ مِمَّنْ يَرِثُهُ غَيْرُ زَوْجٍ أَوْ غَيْرُ زَوْجَةٍ -أي إذا كان له ورثة غير الزوج أو الزوجة- بِزَائِدٍ عَلَى الثُّلُثِ لِأَجْنَبِيٍّ، وَلِوَارِثٍ بِشَيْءٍ نَصًّا، سَوَاءٌ كَانَتْ فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ...
وَأَمَّا تَحْرِيمُهَا لِلْوَارِثِ بِشَيْءٍ، فَلِحَدِيثِ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ.
وَتَصِحُّ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ الْمُحَرَّمَةُ وَتَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: لَا تَجُوزُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْوَرَثَةُ. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا: لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ تُجِيزَ الْوَرَثَةُ، رَوَاهُمَا الدَّارَقُطْنِيُّ. اهـ.
وانظر الفتوى: 121878، والفتوى: 170967.
وأما إذا كانت نية والدك بإعطاء المال لأمه مجرد انتفاعها به، بحيث تأخذ منه حاجتها، ولم ينو الهبة. فإن ما يبقى عندها لا يزال ملكا لوالدك، ولا يدخل في تركتها عند موتها، ولا يقسم بين الورثة القسمة الشرعية.
والله أعلم.