الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمعاملة تعتبر بيعا من قبل الأب للمنزل، وما حدده لكل فرد منكم؛ هو هبة منه لكم.
والهبة للأبناء، اختلف أهل العلم في شأنها: هل يجب فيها العدل، أو يستحب فقط؟ وما هو العدل فيها بين الذكر والأنثى: هل تعطى البنت نصف ما لأخيها كالميراث، أو يسوى بينهما؟ في ذلك خلاف.
فقد ذهب الجمهور إلى أنّ العدل بين الأولاد في العطية مستحب، غير واجب. وذهب الحنابلة إلى وجوبه، وقالوا مقتضى العدل أن يعطى الذكر ضعف نصيب الأنثى، حسب قسمة المواريث.
قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: ولا خلاف بين أهل العلم في استحباب التسوية، وكراهة التفضيل. قال إبراهيم: كانوا يستحبون أن يسووا بينهم حتى في القُبَل.
إذا ثبت هذا، فالتسوية المستحبة أن يقسم بينهم على حسب قسمة الله تعالى الميراث، فيجعل للذكر مثل حظ الأنثيين. وبهذا قال عطاء، وشريح، وإسحاق، ومحمد بن الحسن.
قال شريح لرجل قسم ماله بين ولده: ارددهم إلى سهام الله تعالى، وفرائضه. وقال عطاء: ما كانوا يقسمون إلا على كتاب الله تعالى.
وقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وابن المبارك: تعطى الأنثى مثل ما يعطى الذكر. انتهى.
والقول بوجوب العدل في الهبة هو المفتى به لدينا، وعليه، فعلى الأب أن يعدل في الهبة.
ولو أعطى البنت نصف ما للابن، فلا حرج، كما أنه لو خص أحد الأبناء، أو إحدى البنات وزاده، لمسوغ معتبر، فلا حرج.
قال ابن قدامة -رحمه الله-: فإن خصّ بعضهم لمعنى يقتضي تخصيصه، مثل اختصاصه بحاجة، أو زمانة أو عمى، أو كثرة عائلة، أو اشتغاله بالعلم أو نحوه من الفضائل. أو صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه، أو بدعته، أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله، أو ينفقه فيها.
فقد روي عن أحمد ما يدل على جواز ذلك؛ لقوله في تخصيص بعضهم بالوقف: لا بأس به إذا كان لحاجة، وأكرهه إذا كان على سبيل الأثرة، والعطية في معناه. المغني.
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: لو احتاج أحد الأبناء إلى زواج، فزوجه؛ فإنه لا يلزمه أن يعطي الآخرين مثل ما أعطى هذا لزواجه، ولكن يجب عليه إذا بلغ الآخرون سن الزواج وأرادوا أن يتزوجوا، أن يزوجهم كما زوج الأول... انتهى.
وبناء عليه؛ فإن كانت القسمة موافقة لما تم بيانه، فلا حرج عليك في قبول عطيته. وإن كان هناك حيف، فعلى الأب مراجعة القسمة للعدل فيها وفق ما ذكر، ومن فضل بلا مسوغ، فليرد الزائد.
والله أعلم.