الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمما لا شك فيه أن الكذب محرم تحريمًا شديدًا، وكبيرة من كبائر الذنوب، وهو مما لا يطبع عليه المؤمن، كما ثبت في السنة، فقد روى الإمام مالك في الموطأ أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أيكون المؤمن جبانًا؟ فقال: "نعم". فقيل له أيكون المؤمن بخيلًا؟ فقال: "نعم". فقيل له: أيكون المؤمن كذابًا؟ فقال: "لا".
وجاء في الصحيحين التحذير منه، وبيان سوء عاقبته، فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وإياكم والكذب؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا.
ومهما عظم الذنب، فقد فتح الله عز وجل باب التوبة لعباده، ورغّبهم في ذلك، فقال سبحانه: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور:31}، ووعد بالمغفرة لمن تاب، فقال سبحانه: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طه:82}.
فإذا كانت زوجتك تابت واستقام أمرها؛ فأمسكها، وأحسِنْ عشرتها، واجتهدْ في تناسي ما مضى؛ لتحافظ على أسرتك، وينشأ ولدك نشأة سوية.
والطلاق من السهل المصير إليه، ولكن من الصعب تحمل سوء عاقبته، وخاصة فيما يتعلق بتشتت الأسرة، وضياع الأولاد.
ومن أجل هذا ذهب بعض أهل العلم إلى تحريم الطلاق، والمنع منه، إن لم تدع إليه حاجة، قال ابن قدامة في المغني، وهو يعدد أحكام الطلاق: ومكروه، وهو: الطلاق من غير حاجة إليه.
وقال القاضي: فيه روايتان:
إحداهما: أنه محرم؛ لأنه ضرر بنفسه، وزوجته، وإعدام للمصلحة الحاصلة لهما من غير حاجة إليه؛ فكان حرامًا، كإتلاف المال، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر، ولا ضرار». اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: الأصل في الطلاق الحظر، وإنما أبيح منه قدر الحاجة. اهـ.
وقولك لزوجتك: "إنها لن تظل في ذمّتك، ليوم آخر"، ليس صريحًا في الطلاق، فلا يقع به الطلاق، إلا إذا قصدت به تطليقها في الحال. وانظر الفتوى: 78889، والفتوى: 155171.
والله أعلم.