الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر الطيبي في المشكاة عند شرحه لهذا الحديث معنى صاحب القرآن فقال: الصحبة للشيء الملازمة له إنسانا كان أو حيوانا، مكانا كان أو زمانا، ويكون بالبدن، وهو الأصل والأكثر، ويكون بالعناية والهمة، وصاحب القرآن هو الملازم له بالهمة والعناية، ويكون ذلك تارة بالحفظ والتلاوة، وتارة بالتدبر له والعمل به. وإن ذهبنا إلى الأول، فالمراد من الدرجات بعضها دون بعض، والمنزلة التي في الحديث هي ما يناله العبد من الكرامة على حسب منزلته في الحفظ والتلاوة لا غير، وذلك لما عرفنا من أصل الدين: أن العامل بكتاب الله المتدبر له أفضل من الحافظ، والتالي له إذا لم ينل شأوه في العمل والتدبر، وقد كان في الصحابة من هو أحفظ لكتاب الله من أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، وأكثر تلاوة منه، وكان هو أفضلهم على الأطلاق لسبقه عليهم في العلم بالله، وبكتابه، وتدبره له، وعمله به. وإن ذهبنا إلى الثاني- وهو أحق الوجهين وأتمهما- فالمراد من الدرجات التي يستحقها بالآيات سائرها، وحينئذ تقدر التلاوة في القيامة على مقدار العمل، فلا يستطيع أحد أن يتلو به إلا وقد قام بما يجب عليه فيها، واستكمال ذلك إنما يكون للنبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم للأمة بعده على مراتبهم ومنازلهم في الدين، كل منهم يقرأ على مقدار ملازمته إياه تدبرا وعملا. اهـ
وبهذا يتضح لك احتمال كون المقصود بصاحب القرآن هو الحافظ له، أو التالي له، المتدبر لمعانيه، العامل به، وإذا جمع المرء بين تلك الخصال؛ فحفظ، وتدبر، وعمل؛ نال تلك المزية، والمكانة العظيمة فيقال له: اقرَأ وارقَ ورتِّل كما كُنتَ ترتِّلُ في الدُّنيا، فإنَّ منزلتَكَ عندَ آخرِ آيةٍ تقرؤُها.
وأما أجر القراءة فيحصل؛ سواء كان بالليل أم النهار، ولمزيد من الفائدة انظر الفتوى: 180239.
والله أعلم.