الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالبكاء على الميت مباح، وليس واجبًا، ولا مستحبًا؛ فلا حرج على من تركه، ولا يدل هذا على أن به شيئًا.
ومن العلماء من رأى أن البكاء رحمة للميت حسن؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم من رأى أن تركه أولى، قال البهوتي في شرح الإقناع: (وَلَا يُكْرَهُ الْبُكَاءُ) قَالَ، الْجَوْهَرِيُّ: الْبُكَاءُ يُمَدُّ وَيُقْصَرُ، فَإِذَا مَدَدْتَ، أَرَدْتَ الصَّوْتَ الَّذِي يَكُونُ مَعَ الْبُكَاءِ، وَإِذَا قَصَرْتَ، أَرَدْتَ الدُّمُوعَ وَخُرُوجَهَا (عَلَى الْمَيِّتِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَبَعْدَهُ) لِكَثْرَةِ الْأَخْبَارِ بِذَلِكَ، فَمِنْهَا: مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا فَاضَتْ عَيْنَاهُ، لَمَّا رُفِعَ إلَيْهِ ابْنُ بِنْتِهِ وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ، كَأَنَّهَا فِي شَنَّةٍ أَيْ: لَهَا صَوْتٌ وَحَشْرَجَةٌ كَصَوْتِ مَا أُلْقِيَ فِي قِرْبَةٍ بَالِيَةٍ، قَالَ لَهُ سَعْدُ: مَا هَذَا -يَا رَسُولَ اللَّهِ-؟ قَالَ: هَذِهِ رَحْمَةٌ، جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ». قَالَ جَمَاعَةٌ: وَالصَّبْرُ عَنْهُ أَجْمَلُ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي التُّحْفَةِ الْعِرَاقِيَّةِ: الْبُكَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ عَلَى وَجْهِ الرَّحْمَةِ، حَسَنٌ مُسْتَحَبٌّ، وَذَلِكَ لَا يُنَافِي الرِّضَا، بِخِلَافِ الْبُكَاءِ عَلَيْهِ لِفَوَاتِ حَظِّهِ مِنْهُ، وَقَالَ فِي الْفُرْقَانِ: الصَّبْرُ وَاجِبٌ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ، ثُمَّ ذَكَر فِي الرِّضَا قَوْلَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَعْلَى مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَشْكُرَ اللَّهَ عَلَى الْمُصِيبَةِ؛ لِمَا يَرَى مِنْ إنْعَامِ اللَّهِ عَلَيْهِ بِهَا، نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى. انتهى.
وبما مَرَّ تعلم أنه لا حرج فيما فعلت، ولا يوجد ما يدعو للقلق.
والله أعلم.