الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فصحيح أن كثيرا ممن يدينون بالباطل يحسبون أنهم على حق وصواب، كما يدل عليه قوله تعالى: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف: 103، 104]، وقوله سبحانه: فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ [الأعراف: 30]، وقوله عز وجل: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ [الزخرف: 36، 37].
قال السعدي في تفسيره: {وَمَنْ يَعْشُ} أي: يعرض ويصد {عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ} الذي هو القرآن العظيم، الذي هو أعظم رحمة رحم بها الرحمن عباده. فمن قبلها، فقد قبل خير المواهب، وفاز بأعظم المطالب والرغائب. ومن أعرض عنها وردها، فقد خاب وخسر خسارة لا يسعد بعدها أبدا، وقيَّض له الرحمن شيطانا مريدا، يقارنه ويصاحبه، ويعده ويمنيه، ويؤزه إلى المعاصي أزا.
{وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ} أي: الصراط المستقيم، والدين القويم. {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} بسبب تزيين الشيطان للباطل وتحسينه له. وإعراضهم عن الحق، فاجتمع هذا، وهذا.
فإن قيل: فهل لهذا من عذر، من حيث إنه ظن أنه مهتد، وليس كذلك؟ قيل: لا عذر لهذا وأمثاله، الذين مصدر جهلهم الإعراض عن ذكر الله، مع تمكنهم على الاهتداء، فزهدوا في الهدى مع القدرة عليه، ورغبوا في الباطل، فالذنب ذنبهم، والجرم جرمهم. اهـ.
ومع ذلك، فلا نسلم بأن اليقين والطمأنينة وانشراح الصدر لصحة الديانة عند المسلم وغيره سواء! فلا يستوي أبدا: المؤمن بالدين الحق، مع المؤمن بالباطل المصدق له العامل به، فلكلٍّ حاله التي تليق بدينه وعقيدته، وراجع في ذلك الفتويين: 363379، 363379.
وعلى أية حال، فالحق لا يعرف بتصديق الناس وقبولهم له، أو يقينهم فيه، وإنما يعرف بالدلائل والبراهين والحجج والبينات.
فمن يتشكك في الحق، ولا يجد في نفسه اليقين، فليبحث وليجتهد في هذا الباب، وليقارن الإسلام بغيره، في عقائده وأصوله وأخلاقه، وليقارن بين القرآن وغيره من كتب الملل الأخرى، فعندها سيعلم أين الحق وأين الضلال، وراجع للفائدة، الفتاوى: 200191، 54711، 48913.
ويمكنك الاستفادة من كتاب: (كامل الصورة – لتعزيز اليقين وتثبيت الثوابت).
وأما ما جاء في آخر السؤال، فجوابه: أن من لم يسمع بالإسلام أصلا فهو من أهل الفترة، ولهم حكم خاص. وانظر الفتوى: 195365.
ومن سمع به ولم يؤمن، فهم أصناف وأنواع، ولكل نوع حكمه من حيث قيام الحجة عليه، والنجاة في الآخرة، فليسوا سواءً.
وقد سبق لنا بيان ذلك، في الفتاوى: 158921، 298303، 156611.
والله أعلم.