الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فما تمَّ بين السائل والمدين هو ما يسمى عند الفقهاء بصلح المعاوضة، وحكمه حكم البيع في ثبوته، وفي آثاره، قال ابن قدامة في المغني: أما صلح المعاوضة، فهو أن يعترف له بعين في يده، أو دين في ذمّته، ثم يتفقان على تعويضه عن ذلك بما يجوز تعويضه به، وهذا ثلاثة أضرب ... الثاني: أن يعترف له بعروض، فيصالحه على أثمان، أو بأثمان فيصالحه على عروض؛ فهذا بيع، يثبت فيه أحكام البيع. اهـ.
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: صلح المعاوضة: وهو الذي يجري على غير الدين المدّعى، بأن يقرّ له بدين في ذمّته، ثم يتفقان على تعويضه عنه. وحكمه حكم بيع الدين، وإن كان بلفظ الصلح. وهو عند الفقهاء على أربعة أضرب .. منها: أن يقر له بعرض -كفرس، وثوب-، فيصالحه عن العرض بنقد، أو يعترف له بنقد، كدينار، فيصالحه عنه على عرض. وقد نص الفقهاء على أن له حكم البيع؛ إذ هو مبادلة مال بمال، وتثبت فيه أحكام البيع. اهـ.
وإذا كان له حكم البيع، فليس لأيٍّ من الطرفين الرجوع عنه، جاء في فتاوى عليش المالكي: قال ابن سلمون: وإذا وقع الصلح على وجه يسوغ، فلا يجوز للمتعاقدين نقضه، وإن حاولاه، وذهبا إلى ذلك، ويجبران على إمضائه. انتهى. قال الشيخ أحمد النفراوي: لأن فيه رجوعًا إلى الخصومة. اهـ.
وجاء في المادة (1556) من مجلة الأحكام العدلية: إذا تم الصلح، فليس لواحد من الطرفين فقط الرجوع عنه، ويملك المدّعي بالصلح بدله، ولا يبقى له حق في الدعوى، وليس للمدعى عليه أيضًا استرداد بدل الصلح منه. اهـ.
وجاء في شرحها «درر الحكام»: الصلح من العقود اللازمة؛ فلذلك إذا تم الصلح عن إقرار، أو عن إنكار، أو عن سكوت، فليس لواحد من الطرفين فقط الرجوع عنه. اهـ.
وأما حكم المؤتمن، ورفضه لإجراء اللازم، وتسليم العقار، فهو يختلف بحسب ما يحمله على ذلك؛ فقد يكون ذلك هو أمر المالك الذي ائتمنه، ولا يسعه مخالفته من الناحية القانونية، وقد يكون أمر الصلح غير ثابت عنده بشكل موثق في اعتباره.
وعلى أية حال؛ فخصومة السائل إنما هي مع المدين أصالة، وله أن يرفع الأمر للقضاء لإثبات الواقعة، وإجراء اللازم.
والله أعلم.