الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهناك كتابة عامة لأعمال جميع الخلق، ولكل شيء يحصل في الوجود؛ وذلك في اللوح المحفوظ، قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.
وهناك كتابة أخرى خاصة بكل إنسان على حدته، وذلك في بطن أمه، ثم كتابة أخرى أخص وأخص تكون بعد صدور العمل من العبد، وهي التي تكتب في صحيفة أعماله، وتطوى بوفاته، وتكون موافقة لما في اللوح المحفوظ، وانظر الفتوى: 327592.
وبكلتا الكتابتين فسِّرت الكتابة في قوله تعالى: وَالطُّورِ. وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ. فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ [الطور:1-3]، قال بيان الحق في «باهر البرهان في معاني مشكلات القرآن»: قيل: إنه صحيفة الأعمال، كقوله تعالى: (وإذا الصحف نشرت)، وقيل: إنه اللوح المحفوظ .. اهـ.
وروى ابن المبارك في كتاب: الزهد والرقائق أن: عمر قال لكعب: ويحك يا كعب، حدثنا حديثًا من حديث الآخرة، قال: نعم -يا أمير المؤمنين-، إذا كان يوم القيامة، رفع اللوح المحفوظ، ولم يبق أحد من الخلائق إلا وهو ينظر إلى عمله فيه، قال: ثم يؤتى بالصحف التي فيها أعمال العباد، قال: فتنشر حول العرش؛ فذلك قوله: {ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها}. اهـ.
ولما سأل سراقة بن مالك رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيم العمل اليوم؟ أفيما جفت به الأقلام، وجرت به المقادير، أم فيما نستقبل؟ قال له: «بل فيما جفت به الأقلام، وجرت به المقادير» قال: ففيم العمل؟ قال: «اعملوا، فكل ميسر». رواه مسلم.
قال القرطبي في المفهم: أي: ليس الأمر مستأنفًا، بل قد سبق به علم الله، ونفذت به مشيئته، وجفت به أقلام الكتبة في اللوح المحفوظ، وفي صحف الملائكة المكتوبة في البطن. اهـ.
والله أعلم.