الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجوابنا عن سؤالك أخي السائل، يتلخص فيما يلي:
أولا: ما دفعه الأب لأحد أولاده بنية القرض -مما لا تجب عليه فيه نفقته- لا إشكال في وجوب رده، وأن الأب إذا مات، فإن تلك الديون تكون من جملة التركة، فيرد الولدُ ذلك الدين إلى التركة، أو يخصم من نصيبه في الميراث، ويقسم بين الورثة القسمة الشرعية.
ثانيا: لا يجب على الأب تزويج ابنه عند جماهير العلماء، وتراجع الفتوى: 103556، فما دفعه في تزويجهم بنية الدين له المطالبة برده في حياته أو بعد مماته إلى التركة.
ثالثا: ما يتعلق بعطايا الأب لبعض أبنائه: فإن أهل العلم مختلفون في وجوب العدل بين الأبناء في العطية، والذي نختاره في فتاوانا هو الوجوب، وأن الأب إذا خصص بعض الأبناء بالعطية سوى النفقة الواجبة بلا موجب، فإنه يجب عليه أن يسوي بينه وبين سائر أولاده.
وإذا مات الأب قبل أن يفعل ذلك، فإنها تكون هبة ماضية في قول جمهور أهل العلم، وليس للولد المفضَّل عليه أن يطالب بردها، وقيل تبطل بعد موته كما تبطل في حياته، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، كما سبق في الفتويين: 107832، 421585.
وعلى هذا الاختيار، فإنه يجب على الابن المخصص بالعطية دون موجب، أن يرد ما خص به إلى التركة.
رابعا: إذا احتاج أحد الأولاد إلى الزواج في حياة أبيه، فساعده أبوه بالمال بغير نية القرض، فإن هذا لا حرج فيه، ولا يعتبر مخالفا للعدل في العطية لأنه إنما أعطاه لحاجة وليس لمجرد الهبة. وعليه، فلا يطالب الولد برده بعد وفاة أبيه. وقد نص الفقهاء على جواز تفضيل المحتاج من الأولاد.
قال ابن قدامة في المغني: فَإِنْ خَصَّ بَعْضَهُمْ لِمَعْنًى يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ -مِثْلَ اخْتِصَاصِهِ بِحَاجَةٍ، أَوْ زَمَانَةٍ، أَوْ عَمى، أَوْ كَثْرَةِ عَائِلَةٍ، أَوْ اشْتِغَالِهِ بِالْعِلْمِ، أَوْ نَحْوِهِ مِنْ الْفَضَائِلِ-، أَوْ صَرَفَ عَطِيَّتَهُ عَنْ بَعْضِ وَلَدِهِ لِفِسْقِهِ، أَوْ بِدْعَتِهِ، أَوْ لِكَوْنِهِ يَسْتَعِينُ بِمَا يَأْخُذُهُ عَلَى مَعْصِيَةِ اللهِ، أَوْ يُنْفِقُهُ فِيهَا، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ. اهــ.
خامسا: وهكذا لو احتاج بعد ذلك أحد الأولاد إلى الزواج، فإن من العدل أن يعينه الأب، كما أعان من قبله من أولاده؛ لحديث: اتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم. متفق عليه.
سادسا: نفقات دراسة الأولاد غير واجبة على الأب، كما سبق في الفتوى: 66857، فما أنفقه الأب على دراسة أحد الأبناء هو من باب العطية لحاجة، وقد تقدم في كلام ابن قدامة أنها مما يجوز.
والله أعلم.