الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالذي يزيل عنك هذا الإشكال أن تعلم أن هناك فرقًا بين القضاء والمقضي، فالقضاء -الذي هو فعل الله- يجب الرضا به جميعه؛ حتى بما يقدره من الشرور والمعاصي من حيث كون تقديرها فعلًا له جل وعلا، ومن حيث إفضاؤها إلى الحكم المحمودة، والغايات الشريفة، التي لا يمكن حصولها لولا تقدير هذه الأمور، وأما المقضي في ذاته -وهو الكفر، والمعصية، وما يمقته الله مما هو خلق له-، فعلينا أن نبغضه ونمقته، كما أن الله جل اسمه يمقته ويبغضه، وقد بين ابن القيم هذا المعنى، فقال: الحكم والقضاء نوعان: ديني، وكوني:
فالديني يجب الرضا به، وهو من لوازم الإسلام.
والكوني: منه ما يجب الرضا به -كالنعم التي يجب شكرها-، ومن تمام شكرها الرضا بها.
ومنه ما لا يجوز الرضا به - كالمعايب، والذنوب التي يسخطها الله-، وإن كانت بقضائه وقدره.
ومنه ما يستحب الرضا به -كالمصائب-، وفي وجوبه قولان، هذا كله في الرضا بالقضاء الذي هو المقضي.
وأما القضاء الذي هو وصفه سبحانه وفعله -كعلمه، وكتابه، وتقديره، ومشيئته-، فالرضا به من تمام الرضا بالله ربًّا وإلهًا ومالكًا ومدبرًا.
فبهذا التفصيل يتبين الصواب، ويزول اللبس في هذه المسألة العظيمة التي هي مفرق طرق بين الناس. انتهى.
فإذا فهمت هذا الفرق، زال عنك كل لبس تجده في فتاوانا، أو في كلام أهل العلم.
والله أعلم.