الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه أما بعد:
فمذهب الشافعية هو وجوب قراءة الفاتحة على المأموم في كل ركعة من ركعات الصلاة، ومن نسيها في ركعة، فعليه أن يعيد تلك الركعة.
ومن العلماء من يرى أن قراءة الفاتحة واجب، يسقط بالنسيان، وقد بسطنا أقوال العلماء في هذه المسألة في الفتوى: 121558، فانظرها.
قال النووي -رحمه الله- في المجموع: فلو ركع مع الإمام، ثم تذكر أنه نسي الفاتحة، أو شك في قراءتها، لم يجز أن يعود لقراءتها؛ لفوات محلها، ووجوب متابعة الإمام، فإذا سلم الإمام، لزمه أن يأتي بركعة. انتهى.
وأما حديث أبي بكرة، فليس له تعلّق بالمسألة؛ لأن أبا بكرة أدرك الإمام راكعًا، والشافعية يسقطون الفاتحة عمن أدرك الإمام راكعًا؛ لفوات محلّها، وهو القيام.
ومن العلماء من لا يرى الاعتداد بالركعة لمن أدرك الركوع، وهو مذهب البخاري، والظاهرية.
وتلك مسألة أخرى ليست هي ما نحن فيه؛ فحديث أبي بكرة لا يشكل على من أوجب الفاتحة على المأموم؛ لأنهم يستثنون تلك الصورة، ويخصونها من عموم وجوب القراءة.
وأما جواب الجمهور عن حديث: لا تفعلوا إلا بأم الكتاب. فهو تضعيفه؛ لكونه من رواية محمد بن إسحاق، وجماعة من المحدثين يرجّحون أنه لا يتابع على ما انفرد به، ومن صحّح حديثه؛ لكونه صرّح بالسماع، يراه حجة، والجمهور يقولون: إنه معارض بأصح منه، وهو قوله تعالى: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {الأعراف:204}، وحديث: وإذا قرأ فأنصتوا. وبسط شيخ الإسلام حجة الجمهور في رسالة انتصر فيها للقول بعدم وجوب القراءة على المأموم فيما يجهر فيه الإمام.
والحاصل: أن المسألة من كبار مسائل الفقه، وهي مسألة خلاف سائغ مشهور منذ زمن الصحابة -رضوان الله عليهم-، ولا تثريب على من اختار قولًا من الأقوال، إن كان أهلًا للاختيار، أو قلّد ثقة يفتي به، حيث كان عاميًّا.
والله أعلم.