الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمن أمر غيره بقتل شخص فقتله، فالقصاص على المأمور لا الآمر، إلا في بعض الحالات؛ كأن يكون المأمور القاتل صغيرا، أو مجنونا، فيكون القتل على الآمر لا المأمور المباشر.
قال ابن قدامة في المغني: وَإِنْ أَمَرَهُ غَيْرُ السُّلْطَانِ مِن الرَّعِيَّةِ بِالْقَتْلِ، فَقَتَلَ، فَالْقَوَدُ عَلَى الْمَأْمُورِ بِكُلِّ حَالٍ. اهـ
وفي المبدع شرح المقنع: وَإِنْ أَمَرَ كَبِيرًا عَاقِلًا بِتَحْرِيمِ الْقَتْلِ فَقَتَلَ، فَالْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. اهـ
وفي شرح المنتهى: وَحَيْثُ وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى الْمَأْمُورِ، أُدِّبَ آمِرُهُ بِمَا يَرْدَعُهُ مِنْ ضَرْبٍ أَوْ حَبْسٍ لِيَنْكَفَّ عَن الْعَوْدِ لَهُ. اهــ.
ومتى حُكِمَ بالقصاص، فلا تجب الدية؛ إذ الدية والقصاص لا يجتمعان، وانظر الفتوى: 120252. عن الواجب في قتل العمد.
ولا يبعد أن يكون إثم الآمر كإثم القاتل سواء، ففي الحديث: وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا. رواه مسلم.
قال ابن علان الشافعي في دليل الفالحين: ومن دعا إلى ضلالة أي: من أرشد غيره إلى فعل إثم وإن قلّ أو أمره به أو أعانه عليه (كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه) عليها، وامتثل أمره فيها (لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً). اهــ.
ومع ذلك، فإن باب التوبة مفتوح حتى للقاتل نفسه، وانظر الفتوى: 158831. في بيان أن للقاتل توبة.
وأما هل سيُسأل عن هذا الآمر يوم القيامة ... إلخ فهذا علمه عند الله، ويكفينا بيان أنه عصى الله تعالى، وأنه عليه التوبة إلى الله تعالى، وأن القصاص على القاتل لا على الآمر.
والله أعلم.