الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الشرع قد بيّن خطورة إنكار الولد وجحده، فقد روى أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: وأيما رجل جحد ولده، وهو ينظر إليه، احتجب الله منه، وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين. وقد ترجم عليه النسائي: التغليظ في الانتفاء من الولد.
فإن ثبت أن أباك قد نفى عنه نسبك، واتّهم أمك بالزنى، من غير بينة؛ فقد احتمل بهتانًا وإثمًا مبينًا.
ولا ينتفي النسب إلا بلعان، يحصل بعد ولادته، أو بعد العلم به مباشرة.
ومن سكت بعد ذلك بلا عذر؛ فليس له النفي، ولا يصح منه بحال، وهذا هو مذهب جمهور أهل العلم، خلافًا لبعض أهل العلم، قال ابن قدامة في المغني: وفي كل موضع لزمه الولد، لم يكن له نفيه بعد ذلك، في قول جماعة من أهل العلم، منهم الشعبي، والنخعي، وعمر بن عبد العزيز، ومالك، والشافعي، وابن المنذر؛ وأصحاب الرأي. وقال الحسن: له أن يلاعن لنفيه، ما دامت أمّه عنده يصير لها الولد، ولو أقرّ به، والذي عليه الجمهور أولى؛ فإنه أقرّ به، فلم يملك جحده، كما لو بانت منه أمّه، ولأنه أقرّ بحق عليه؛ فلم يقبل منه جحده، كسائر الحقوق. اهـ. وقول الجمهور هو الراجح عندنا.
فالأصل أنه أبوك، يجب عليك بِرّه، والإحسان إليه، وصلته.
ويجب عليك الحذر من الوقوع في عقوقه بأي نوع من العقوق؛ فمن حق الأب أن يحسن إليه ولده، وإن أساء، كما هو مبين في الفتوى: 299887.
وكونك لا تكلّمه، هذا يعني أنك تهجره؛ وهذا مما لا يجوز شرعًا، وراجع الفتوى: 22420.
وإن وقع في قلبك شيء من الكُرْه له؛ فلا إثم عليك في هذا بمجرده؛ إذ لا مؤاخذة على المرء في المشاعر القلبية؛ لأنه لا اختيار له في ذلك، قال تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الأحزاب:5}.
والله أعلم.